يعتبر اضطراب الوسواس القهرى من الاضطرابات المنتشرة فى العالم على نحو واسع، وكان هناك اعتقاد سائد بأن هذا المرض من الامراض النادرة والمزمنة والمستعصية على العلاج، ولكن بفضل الدراسات العلمية والابحاث النفسية تغيرت الانطباعات السائدة عنه.
وقديمًا كان الناس يتعاملون مع مرض الوسواس القهرى على انه مرض له علاقة بالجن والمس الشيطانى، وكانوا يعالجون المصابين به بطرق عنيفة مثل الضرب والتعذيب، ظنًا منهم ان ذلك قد يخرج الشر من جسده.
عناصر المقال
الوسواس القهرى نوع من القلق
يعرف مرض الوسواس القهرى بأنه وجود وساوس وافعال قهرية، تؤثر على الشخص وحياته وتؤدى الى الانزعاج، وتكون الوسوسة على هيئة افكار او اندفاعات مع وجود صور قهرية، كما تجدر الاشارة الى ان الوسوسة موجودة لدى الجميع، ولكن بنسب ودرجات متفاوتة من شخص لآخر، وتتحول الى مشكلة ومرض عندما تصبح قوية وشديدة ومتكررة.
والوسواس القهري هو أحد اعراض اضطرابات مرض القلق، بحيث تدخل الشكوك والافكار والتخيلات بطريقة متكررة الى ذهن المريض رغمًا عنه، وتتميز بأنها ملحة ومزعجة وعنيدة جدًا، وخارجة عن السيطرة، ولا يستطيع المريض تجاهلها.
ومن الممكن ان يتعرض الانسان الى الاصابة بالوسواس القهرى فى اى فترة من العمر، ولكن اغلب حالات الاصابة باضطراباته تكون فى مراحل المراهقة المبكرة لتدخل عوامل بيولوجية فيها، مثل تغير البلوغ، وتغير الهوية الجنسية.
يختلف عن الشخصية الوسواسية
لابد من التمييز بين الشخصية الوسواسية، ومريض الوسواس القهرى، فالاثنين يختلفان تمامًا عن بعضهما. فغالبًا ما يشعر مريض الوسواس القهرى بأنه من المستحيل ان يتفهم الناس وضعه، ويرفض الإفصاح عن حالته ومعاناته. وبالرغم من تعدد اسباب الاصابة بمرض الوسواس القهرى التى قدمتها الدرسات النفسية الا ان العامل الوراثى كان الاهم والاقوى، بالاضافة الى عامل التربية والتنشئة الاجتماعية.
مرض من جزئين
يتضمن الوسواس القهرى عادة جزئين، الاول على شكل وسواس، وهو نوع من الافكار المزعجة او الصور والشكوك التى غالبًا ما تدور فى ذهن المريض، وبالرغم من تصديه لهذه الوساوس السخيفة بالنسبة اليه، الا انه لا يستطيع الاقلاع عن التفكير فيها، مما يقوده فى اغلب الاحيان الى الالزام، وهو الجزء الثانى من الوسواس القهرى، ويحدث هذا عندما يحتاج الفرد الى تكرار احد الافعال مرات عديدة، وبصورة مرضية، مثل التأكد من ان باب المنزل مغلق لعدة مرات فى المساء.
وتبين الدراسات الحديثة ان الذين يعانون من اضطرابات الوسواس القهرى تشهد امخاخهم حركة كيميائية نشيطة فى الفص الامامى ومنطقة قاعدة الدماغ، حيث يعتقد ان افعال الهوس الاساسية كمراجعة القيام بالفعل والتأكد منه مخزّن، وترجع الدراسات ذلك الى نقص مادة السيروتين، وهى مادة عصبية تنقل الرسائل فى المخ، وتنظم اى شعور عاطفى، مثل القلق والخوف والاحباط.
اعراض الوسواس القهرى
من ضمن الاعراض التى تظهر على المريض بالوسواس القهرى، خوف الشخص من بعض المعتقدات والاشياء الضارة مثل التلوث والجراثيم والاصابة بالامراض، كما من الممكن ان تكون الافكار الوسواسية عدوانية، ويكون المريض عندها مستعدًا لإيذاء نفسه.
وتختلف الوساوس القهرية عن مرض البارانويا فى ان اعراض البارنويا تكون غالبًا توقعات باحتمالية وقوع احداث سلبية مثل الكوارث الطبيعية، او انفجار ماسورة الغاز، او التعرض لحادث سيارة، وغيرها، بينما الوساوس عبارة عن افكار تتسرب الى المخ بشكل دورى وعارض.
كما تشير الدراسات النفسية الى ان مريض الوسواس القهرى لا يمكنه ان يؤذى غيره، بل على العكس، هو يمكنه ان يؤذى نفسه، ولكن لا يؤذى غيره. وبالتالى فالخوف من مريض اضطرابات الوسواس غير مبرر، والتعايش معه غير مقلق بالمرة.
وتصاحب اعراض مرض الوسواس القهرى اعراض اكتئابية بنسبة 75 الى 80%، فكثيرًا ما يتلازم وجود الاكتئاب بوجود الوسواس القهرى، خاصة لدى الاشخاص الخجولين، والذين قد يكونون أكثر عرضه للانتحار للتخلص من الضغوط العنيفة للمرض، كما قد تصاحبه اعراض امراض الرهاب.
ويمكن ملاحظة اعراض مرض الوسواس القهري إذا تمكنت هذه الافكار من المريض، واصبحت تؤثر على عمله وعلاقاته الاجتماعية، او أصبح يميل الى العزلة والانطوائية، والشعور بالذنب.
الافعال القهرية
تنقسم كذلك الافعال القهرية الى قسمين، (الاول) يتعلق بالافعال التى يفعلها الشخص المريض، مثل ترتيب الاشياء والتنظيم الزائد عن الحد، او النظافة المبالغ فيها، او الحرص الامنى الغير مبرر. وهذه الافعال تعتبر الشئ الملموس فى المرض، وعلاجه يكون سهل، بينما (الثانى) تكون الافعال القهرية فيه فكرية، بمعنى اداء العبادات بطريقة وشكل مبالغ فيه مثلا، وهى تكون مزعجة اكثر من الاولى، لشعور المريض معها بالالزام، ولكن الاثنين، يكون الهدف منهما تخفيف المريض لحالة القلق التى يعانى منها.
العلاج .. دوائى ونفسى
غالبًا ما يبدأ الاطباء النفسيين علاج مرضى الوسواس القهرى، بعمل فحوصات طبية جسدية لهم للتأكد من خلوهم من اى مرض او عارض جسدى او عضوى، فمثلا المريض الذى يدعى اصابته بمرض السرطان، فإن الطبيب المعالج له يجرى له فحوصات مرض السرطان اولا قبل الدخول معه فى الفحوصات النفسية.
وهناك الكثير من مرضى اضطرابات الوسواس القهرى يخشون الافصاح عن حالاتهم خوفًا من نفور البعض منهم، او الاتسام بصفات اجتماعية غير محمودة. وتوضح الدراسات ان مرضى الوسواس القهرى ينتظرون ما بين 5 الى 12 سنة حتى يتخذوا قرار اللجوء الى الطبيب النفسى. كما ان الوسواس القهرى من الاضطرابات التى لن يشفى منها المريض وحده، وكلما تفاقمت حالة المصاب بها، كلما أصبح علاجه أصعب، وهناك 3 من كل 4 اشخاص تتحسن حالتهم بالعلاج فيما تتنكس بعض الحالات رغم العلاج، اغلبها يكون نتيجة ضغوط الحياة.
ويعتبر العلاج ضروري جدًا لمرضى الوسواس القهرى خصوصًا اذا كانت نسبة الاصابة بالمرض متوسطة او مرتفعة، بينما يمكن للمريض ان يدرب نفسه على التخلص من هذه الافكار اذا كانت نسبة الاصابة بها خفيفة نسبيًا، ولكن تبقى الافضلية الى اللجوء الى العلاج فى المراحل المبكرة للمرض وقبل ان تصاحب الاعراض الوسواسية اعراض امراض اخرى مثل الاكتئاب وتلازمها.
علاج اضطرابات الوسواس القهري
العلاج الدوائي
هناك طريقتين لعلاج اعراض اضطرابات الوسواس القهرى، (علاج دوائى)، والتى عادة ما يلجأ فيها الى ادوية مضادات الاكتئاب، بهدف زيادة نسبة السيروتين فى المخ، ولكن يتم زيادة الجرعات لمرضى الوسواس عن الجرعات المقررة لعلاج الاكتئاب.
العلاج النفسي
وهناك العلاج النفسى عن طريق العلاج المعرفى، او العلاج السلوكى، وخاصة التعريض ومنع الاستجابة، مثل تعريف المريض بحالته المرضية، واطلاعه على معلومات تخص المرض بالاضافة الى اشراكه فى وضع طريقة العلاج، كما يتم تدريب المريض على مواجهة مخاوفه بطريقة تدريجية دون الاستجابة لتلك المخاوف والقيام بالافعال القهرية المصاحبة لها، حيث من شأن ذلك ان يعزز التخلص من الافكار القهرية. وتستغرق فترة العلاج المبدئي من الوسواس القهرى ما بين 6 الى 12 اسبوعًا، وتنخفض الاعراض بنسبة 40 الى 90%، مع البدء فى فى العلاج.
وللأسرة دور مهم ومؤثر فى علاج مريض الوسواس القهرى، والكثير من الاطباء والاخصائيين كثيرًا ما يضعون اسرة المريض ضمن خطة العلاج نظرًا لارتباط اغلب الافكار المرضية والاضطرابية بفكرة التعزيز، والقلق، والبحث عن الطمأنينة، كما ان الاسرة تكون ركيزة اساسية في مشوار العلاج الذي يتطلب المثابرة والاستمرارية.