كان كريم. م. يحب والده بجنون، كما كان يعتمد عليه في كل جوانب حياته الصغيرة منها والكبيرة، ومع زيادة تعلقه به توفي الأب فجأة فحدثت له صدمة كبيرة. ولم يكن لكريم أصدقاء كثر ولا كانت تربطه علاقات قويه بأقرانه في المدرسة، ولذلك أثرت فيه وفاة والدة بدرجة كبيرة، حيث وجد نفسه يعاني من الوحدة والفراغ الكبير.
كان والد كريم المتوفي من المدخنين، وباعتبار الابن له مثل أعلى في كل شيء أراد أن يصبح مثله، فأقدم وهو في سن الـ 7 على تدخين السجائر، ونتيجة طبيعته الانطوائية تعلق بالسجائر بشدة، كما حاول الخروج من إطار التدخين فقط إلى البحث عن أنواع أخرى من تلك المخدرات التي كان يسمع عنها ويشاهدها في التليفزيون، ليصبح وهو عند سن الـ 9 أصغر مدمن في مصر بعدما تعاطى الحشيش وأدمن عليه.
إندمج كريم لاحقًا في مجموعة من مجموعات الشباب الأكبر منه سنًا والتي يدمن كل أفرادها على المخدرات، وأصبح يعتمد على الحشيش أعتمادًا كليًا ليجعله في حالة مزاجية مختلفة عن تلك التي يكون عليها وهو في حالته الطبيعية.
ترك كريم لعبتي الجودو والسباحة اللتان كان يمارسهما بانتظام، حيث تحتاج هذه الألعاب إلى لياقة بدنية عالية جدًا، وهو ما أفتقده بسبب تدخينه للسجائر وتعاطيه للحشيش، وبالبحث عن نصيحة تعيد له لياقته أقترح عليه أحد أصدقائه المدمنين تعاطي الترامادول.
نفذ كريم نصيحة صديقه المدمن القاتلة وبدأ يتعاطى التراادول بكميات صغيرة، وتدريجيًا تصاعدت الجرعات إلى أن أصبح يتعاطى ما قيمته 2500 ملي جرام يوميًا.
وبالإدمان الشديد عليه لم يعد الترامادول من ضمن المواد التي تقوده للنشوة، حيث قام خلال فترات متقدمة بتعاطي الأفيون والخمور، وانتهت به المسيرة لاستنشاق الهيروين.
تعددت خسائر كريم الدراسية والاجتماعية والصحية، كما لجأ إلى السرقة لشراء المخدرات، وفقد تركيزه، وأهمل التواصل مع أسرته، حيث وصل في آخر مراحل إدمانه إلى رغبته الدائمة في أن يكون بمفرده على الدوام، وعلى الرغم من زيادة كميات المخدرات التي كان يتعاطاها إلا أنه لم يعد يحصل على السعادة.
لاحظت والدة كريم حالته وبدأت في تتبع تصرفاته وسلوكياته، حيث ظنت في البداية أن وفاة والده قد خلفت له أزمة نفسية وأن أضطرابات هذه الأزمة بدأت تظهر بعد مرور عدة سنوات على صدمة الوفاة الأولى، حيث قامت بعرض حالته على عدد من الأطباء النفسيين.
وعلى الرغم من مواظبته على استشارات الأطباء النفسيين إلا أن أحدًا منهم لم يكتشف حقيقة إدمانه على المخدرات، حيث لم يكن يتخيل أن طفلًا في مثل سنه لديه أصدقاء يدخنون السجائر، وليس أنه وصل إلى هذه الدرجة الإدمانية شديدة الخطورة.
استمرت حالة كريم تتدهور على الرغم من عرض حالته المستمر على الأطباء، كما زادت الفجوة بينه وبين الآخرين، بسبب حالة الاغتراب التي كان يعاني منها، بالإضافة إلى عدم معرفته بحقيقة حالته المرضية.
أعترف كريم من تلقاء نفسه لوالدته وصارحها بحقيقة إدمانه، فمن غير المعقول أن طفلًا صغيرًا يمكنه الاستمرار في تحمل كل الضغوط التي كان يعاني منها، والشيء الإيجابي الذي بدر من والدته بعدما أعترف لها، هو أنها كانت نموذجًا للسيدة المتفتحة القادرة على أحتواء المخاطر من أجل إنقاذ أبنها مما لحق به.
لم تتطرق والدة كريم للتفاصيل والأسباب التي دفعت أبنها لتعاطي المخدرات، بل ركزت على ضرورة أقناعه بالإقلاع عنها والتعافي منها، وبوجود الاستعداد لديه، أجرت الأم أتصالاتها في هدوء وتعرفت على أبعاد المشكلة والعلاج، ومن ثم ألحقته بإحدى المؤسسات العلاجية المتخصصة في علاج الادمان في مصر.
وأثناء العلاج تعرف كريم على حالته وأنماط سلوكياته الإدمانية التي كان يجهلها ويتفاعل معها بأساليب خاطئة، كما عرف أنه كان مدمنًا متنوعاً، ويعني ذلك أنه كان يتعاطى أكثر من نوع من أنواع المخدرات في وقت واحد.
أستطاع كريم أن يقلع عن المخدرات، لتصبح تجربته أصغر تجربة إدمانية تسجلها مؤسسات العلاج من الإدمان في مصر حتى الآن.