يعتبر موضوع الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال من الموضوعات ذات الاهمية البالغة، باعتبارهم البذرة الواجب رعايتها
نفسيًا وروحيًا لتخرج للمجتمع جيلاً قادرًا على التكيف مع المستجدات، ويتمتع بقدر من الاتزان النفسى والعقلى،
كما أنها ليست جانبًا واحدًا، ولكنها جوانب متعددة يجب أخذها جميعها بعين الاعتبار.
ويرى بعض خبراء الصحة النفسية ضرورة أن يبدأ الاهتمام بالصحة النفسية للاطفال منذ تكوين الأسرة بإرتباط الأبوين،
حيث من الضرورى أن يكون لديهم تفكير جدى فى مستقبل اولادهم النفسى، وان كانت مواجهة المشكلات النفسية
للأطفال تبدأ فعليًا عند عمر مبكر من حياتهم.
وتكون المهمة الأولى لهما هنا هى كيفية التعامل الجيد مع سلوك الطفل، بالاضافة الى تنظيم وقته، ومتى يتم الموافقة
على طلباته او حرمانه منها، ويحتاج ذلك الى الالتزام بالسلوك العلمى، لأن حالة الاخلال بالصحة النفسية للطفل والتى
تصاحبه الى المستقبل، تستورد من الاخطاء الناتجة عن التربية من قبل الأم والأب.
وعلى سبيل المثال فالكثير من الأباء والأمهات لا يتفقون على فلسفة واحدة فى طريقة تربية أبنائهم، فهناك من لا
يزالون يفضلون عقاب الطفل بالضرب، على الرغم من انه ثبت علميًا أن ضرب الطفل يؤثر على صحته العقلية والعصبية،
ولا يساعده على الفهم، ويمنعه من تطوير قدراته العقلية والابداعية.
وغالبًا ما يؤدى التناقض فى طريقة التربية للأب والأم الى خلق نمط شخصية مرضية عند الابناء، كما يؤدى عدم احترام
الابوين لبعضهما ودخولهما فى صراعات أمام الأطفال الى نقلهم هذه الأنماط لسلوكيات حياتهم، ويتسبب ذلك فى
ضغوط نفسية متراكمة لهم.
تابع صحة الأطفال النفسية .. استثمار في بذرة المستقبل
وبالإضافة الى ما سبق يجب اعطاء الطفل حصة من الوقت اليومي للأبوين، يتم فيها الاستماع له، وعدم الاستهتار
بمشاعره وطريقة تفكيره، بل على العكس يجب التفاعل مع تلك الأفكار والمشاعر واحتوائها، واعتبارها مدخلاً لإقامة
علاقة صداقة بين افراد الاسرة، والحرص على أن يكون أساس تلك الصداقة الثقة والاحترام المتبادل.
وهناك بعض العوامل التى قد تعرض الأطفال للإصابة بالاضطرابات نفسية، أحداها تكون نتيجة لتربية الأب والأم، بالاضافة
الى العوامل الوراثية، والتغذية، التى تعد هى الاخرى جزء مهم جدًا من تحسين الصحة النفسية للأطفال، وهناك أدلة
علمية تؤكد وجود ارتباط وثيق بين الغذاء وانواعه والصحة النفسية والعقلية لهم.
كما توجد العديد من العوامل الأخرى التى تؤثر فى الصحة النفسية للأطفال، مثل طريقة انفاق الوالدين عليهم، والأماكن
التى يتلقون فيه تعليمهم الأولى، ومدى وطبيعة سلوكيات الأطفال الموجودين فيها، لذلك تحرص العديد من المؤسسات
التعليمية المتميزة الى تعيين الأخصائى النفسي، وتحدد له دور فى العملية التعليمية.
وتحتاج عملية الرعاية النفسية للأطفال الى منظومة متكاملة، تبدأ بالأسرة، ثم المدرسة، كما ان لها علاقة بالمؤسسات
القانونية بالدولة، حيث توجد العديد من التجاوزات التى تقع بحق الأطفال وتصنف كجرائم، ولها بالغ الأثر السئ عليهم
فى المستقبل، ويجب أن يعاقب مرتكبوها.
ويعد الادمان من أكثر دوائر الخطر التى تضر بالصحة النفسية، حيث يعتبر المدمنون وخصوصًا من لايزالون فى مراحل حياتهم
الأولى، يعانون من اعاقة نفسية وعقلية، تؤثر على حياة المدمن الاجتماعية ومستقبلة التعليمي، وتدخله فى دوامة
من الصراعات مع المحيطين به. ويجب على الأهل أن يتعلموا ويتعرفوا على كيفية التقاط الاشارات الأولى الدالة على
قيام أبنائهم بتعاطى المواد المخدرة، وخصوصًا فى ظل انتشار انواع جديدة لهذه السموم، وسط زخم وسائل التواصل وتكنولوجيا الاتصال.
وبالنسبة لدور المجتمع والدولة فيجب مراجعة النظرة العامة للصحة النفسية للأطفال، وضرورة النظر الى احتياجاتهم
الروحية والترفيهية، وتلبيتها قدر الامكان، لتأثير البيئة المحيطة المباشر على الصحة النفسية للنشئ، بالاضافة الى اعتبارها
حق أصيل مثل التعليم والغذاء، والإيمان بدورها فى تحسين مستقبلهم.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية