عناصر المقال
5.عدم الاعتراف بالجهل
ان أغلب مشاكل الإنسان ناتجة عن جهله. ومشكلة الجهل ليست هي عدم معرفة الإنسان لما يجهله بل هي عدم معرفته بجهله ذاته وعدم اعترافه به. فهو لا يعرف انه لا يعرف ويتفاعل مع الحياة بما يعرفه، ويظن أن الحياة هي معرفته عن الحياة. وهذا الأمر يجعله منغلق على الكثير من الحقائق التي تثري وتبارك حياته، وتجعل عقله لا يقبل الحقائق والأفكار الجديدة التي تختلف عن أفكاره ومعارفه التي اعتاد عليها.
ان الجهل لا يعد مشكلة إذا اعترفنا به، لأن مجرد اعترافنا بجهلنا سيجعلنا منفتحين على ما نجهله وسيجعل من الجهل طريقاً للتطور والنمو، اما إذا لم نعترف بجهلنا فسيصبح مشكلة كبيرة وسجنا مظلما لنا. وإذا وضعنا في اعتبارنا أن المعرفة ليست لها حدود سنجد أننا جميعا لدينا هذه المشكلة -مشكلة الجهل- لكن بدرجات متفاوتة، والأكثر علما بيننا هم الأكثر اعترافا بجهلهم.
ان اعترافك بجهلك يعني أنك منفتح على المعرفة، وأنك مستعد للتعلم، وأنك بحاجة إلى المعلمين لمساعدتك، وأنك لست وحدك، وأنك تحترم العلماء وتحترم انتاجهم. ومجرد اعترافك بجهلك كل يوم سيجعلك تتعلم معلومة جديدة على الأقل يومياً، وتنصت أكثر لمن يتحدث مهما قل شأنه، ربما تنصت لأطفالك أكثر لتتعلم من حكمتهم، وربما تنصت لنفسك وللصوت النابع من داخلك والذي كثيرا ما تجاهلته ليرشدك الي طريق الحكمة. ان اعترافك بجهلك سيجعلك أكثر انفتاحا على القراءة والفهم واكتساب المعارف الجديدة، وسيجعلك على تماس دائماً مع العلم والحكمة.
اننا نجد الأغلبية العظمى في مجتمعاتنا العربية لا يعترفون بجهلهم ويعتبرون ان الاعتراف بالجهل عار ورزيلة، ولذلك لا يقرأون ولا ينصتون ولا يسعون لاكتساب المعرفة، ولا يهتمون بالدورات التدريبية والمحاضرات التثقيفية، ولا يبالون بالجانب التثقيفي فيما يشاهدونه من أفلام ومسلسلات وبرامج، ولا يشجعون المثقفين والمبدعين حتى أصبحت مهنة الثقافة والانتاج المعرفي في مجتمعنا هي مهنة العاطلين والمفلسين، لأن لسان حال المجتمع يرفضهم ولا يرحب بإبداعهم وانتاجهم المعرفي. وهذه ليست مجرد مشكلة أو أزمة بل انها كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ان الاعتراف بالجهل دافع قوي لاكتساب المعرفة، والمعرفة هي أول مراحل التطور والنجاح. وكيف يمكنك ان تتطور بدون ان تعرف ما يحتاج إلى التطور؟! كيف يمكنك ان تصيب هدفا لا تراه بعينيك؟! حتى بطل العالم في الرماية لا يستطيع ان يصيب هدفاً لا يراه بعينه.
“المعرقة قوة” .. فرانسيس بيكون .. فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي
اننا نعيش في عصر تتضاعف فيه المعرفة بشكل متسارع جدا، في عام 1982 كتب ريتشارد فولر العالم الأمريكي أن المعرفة تتضاعف كل 18 شهر وأن هذه ال 18 شهر ستظل تتضاءل مع الوقت، ويقول بعض العلماء ان المعرفة تتضاعف حالياً كل ستة أشهر، ويتوقعون انها ستتضاعف في المستقبل القريب كل ثلاثة أشهر، ومن المتوقع مستقبلا ان تتضاعف المعرفة كل 12 ساعة فقط!
ولا شك أن هذا التطور المعرفي المتسارع يصب في مصلحة الإنسان، لأن المعرفة ستحل له كل مشاكله، وستمكنه من تحقيق أشياء كان يظنها مستحيلة. لكن أي إنسان هذا الذي ستعمل المعرفة لصالحة؟ انه الأكثر انفتاحا على المعرفة والأكثر اعترافا بجهله.
وأهم المهارات التي يجب ان نكتسبها في ظل هذا التطور المعرفي هي القدرة علي الوصول للمعلومة الصحيحة في اقصر وقت ممكن، وكذلك القدرة علي التمييز بين المهم والغير مهم. لكن ما هو المهم؟ أنه ما يتعلق بمصيرك ومستقبلك في جميع جوانب حياتك. هذا ما يجب ان تركز عليه أولاً.
6.الخوف من التغيير:
في داخل كل منا جزء يخاف من التغيير، ويحاول دائما أن يدافع عن تمسكه بالوضع الراهن، لأنه يرى أنه الوضع الأفضل لنا. فالمجهول يرعبه ويشعره بعدم الامان، لذلك فهو يفضل ما يعرفه وهو الواقع الحالي حتى وان كنّا غير راضين تماماً عن هذا الواقع.
وهذا الجزء بداخلنا يقيدنا ويحاول ان يطفئ كل شعلة للإرادة تضيء بداخلنا من أجل تغيير أوضاعنا الحالية. فعندما نشرع في عمل تغيير ما يحاول أن يصرف انتباهنا عنه، أو يخفض من أهمية ذلك التغيير، أو يفتح أذهاننا على أشياء أخري من أجل تعطيل عملية التغيير، ويحاول إقناعنا داخلياً أن هذه الأشياء أهم من التغيير الذي نحن بصدد القيام به. كم مرة عزمت على عمل تغيير ما ثم انصرفت عنه؟ ان انصرافك عنه بسبب هذا الجزء منك الذي يرفضه.
وهذا الجزء ليس ضعيفاً لكي نتغلب عليه بسهولة. انه قديم وقوي ولا يمكن بسهولة التغلب عليه من المرة الأولى. ويجب ان نضع هذا في اعتبارنا عندما نتعامل مع هذا الجزء حتى لا نصاب بالإحباط بعد فشل محاولاتنا الأولى. فعندما تريد تغيير نفسك أو تغيير الآخرين من حولك يجب أن تدرك أنك ستخوض حرباً ضارية مع هذا الجزء، وهذا الجزء سيستخدم كل الأساليب الممكنة للتغلب عليك وافشال مشروعك.
ان هذا الجزء يجعل من الانسان عدواً لنفسه، ويجعل من الآخرين أعداءً لكل عبقري ملهم لديه رؤية لواقع أفضل. وفي التاريخ أدلة كثيرة على ذلك، فكل الأنبياء كانوا في أوطانهم وبين قومهم منبوذين ومهانين، وكل العلماء الذين اكتشفوا الحقائق العظيمة واجهوا مقاومة كبيرة من الآخرين.
ويمكننا التغلب على هذا الجزء بالتثقيف المناسب الذي يجعلنا نعتنق مبدأ التغيير ونؤمن به بقوة. ففي هذه الحالة سيتولد بداخلنا دافع جديد نحو التغيير ناتج عن قوة إيماننا به. وهذا الأمر في حد ذاته يحتاج إلى التدريب. التدريب على أن نعيش حياتنا وفقاً للمبادئ والقيم لا وفقاً لغرائزنا ومشاعرنا. ولذلك سنتحدث أكثر عن التغيير فيما يلي من صفحات هذا الكتاب من أجل ترسيخه كمبدأ بداخلك والإيمان به.
7. ضعف الرغبة في الهدف:
ذكرنا أن الرغبة من أهم الدوافع النفسية على الاطلاق، وها نحن نعود لنسلط الضوء عليها من جديد بصفتها أحد أهم أسباب انخفاض الدافعية عند الانسان. ولا شك أنها موضوع جدير بالاهتمام، لأنها متداخلة مع الكثير من الموضوعات الأخرى، وربما لا تكفي هذه المقالات لبيان تلك العلاقات المتداخلة مع الرغبة، لكننا سنكتفي الآن هنا بتفسير الأساس الفلسفي لرغباتنا.
بعض الناس يقول كيف أكون غير راغب في هدفي؟ إنني أعرف انني أرغبه بشدة. والحقيقة انه يعرف انه يرغب في هدفه بشدة على المستوي الواعي الإدراكي فقط، أما على المستوي غير الواعي -وهذا هو الجزء الأكبر من عقلنا – فقد يكون غير راغب في هدفه بالمرة. ولهذا السبب يجب ان نتعمق أكثر في هذه النقطة.
ان كل شيء نفعله أو لا نفعله في حياتنا له أسباب دافعة تدفعنا لفعله، أو أسباب مانعة تمنعنا عن فعله. وإذا لم تكن هناك أسباب مانعة تعوق تقدمنا أو تمنعنا من بلوغ أهدافنا المرجوّة لكناّ أدركناها بكل سهولة. ولكن لأن هناك أسباب مانعة تمنعنا فإن أهدافنا لا تزال بعيدة عن متناول أيدينا. وغالباً ما تكون أسبابنا الدافعة والمانعة مجهولة بالنسبة لنا، لأنها غالبا تكون في دائرة اللاوعي، في عقلنا الباطن. وربما يقول الشخص: “أنا مؤمن بهذا الهدف، أنا أرغب في هذا الهدف بشدة“ وهذا القول يكون ناتج عن وعيه وعن إدراكه، فهو يعي ويدرك ويعرف أنه يرغب في هذا الهدف بشدة. ويمثل هذا الوعي أو هذه الرغبة الواعية أحد أسبابه الدافعة. لكن المشكلة أن لا وعيه قد يقول: “أنا لا أرغب في هذا الهدف، أنا أكرة هذا الهدف” وهذا يعد أحد أسبابه المانعة. فالوعي لديه أسباب ليرغب وهي الأسباب التي نعرفها، واللاوعي لديه أسباب ليكره وهي أسباب لا نعرفها غالباً. ودائماً ما ينتصر اللاوعي على الوعي، لأن الوعي يمثل عشرة بالمائة فقط من كامل نشاطنا العقلي، بينما اللاوعي يمثل تسعين بالمائة من نشاطنا العقلي.
ولكي يكون لدينا تصور واضح عن الأسباب الدافعة والمانعة يمكننا تشبيه الرغبة الواعية برجل يمتطي فيل ضخم، وهذا الفيل الضخم هو الرغبة غير الواعية. فإذا كانت رغبة الرجل هي الذهاب في الاتجاه الأيمن، ورغبة الفيل هي الذهاب في الاتجاه الأيسر فأي رغبة ستنتصر في النهاية؟ ، وإلى أين سيذهب الفيل؟
إذاً كيف تضعف وكيف تقوي رغبتنا؟، وكيف نتحكم في الفيل؟ هذا ما سنعرفه في المقالة القادمة بإذن الله ..
بقلم د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية