3- ضعف الثقة بالنفس
الثقة بالنفس هي أكبر نقطة ضعف عند الإنسان، وهي نقيصة كل البشر. والجميع لديه ضعف في ثقته بنفسه لكن بدرجات متفاوتة. الأمر الذي يعني أن الجميع بحاجة إلى زيادة قوة ثقته بنفسه. وكلما أرتقى الإنسان في وعيه، كلما تكشفت له هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً.
اننا نحقق النجاح بقدر ثقتنا بأنفسنا وبالقدر الذي يتناسب مع تقديرنا لقيمة أنفسنا. وكلما كان تقديرنا لأنفسنا مرتفعاً كلما ارتفعت درجة احساسنا باستحقاق النجاح، الأمر الذي يدفعنا لتحقيق المزيد من النجاح. وهذا احد اسرار النجاح.
ان الذين يفشلون مراراً وتكراراً لديهم مشكلة في تقديرهم لقيمة انفسهم، وثقتهم بأنفسهم تكون منخفضة او مهزوزة. لذلك من المهم ان نعمل علي زيادة تقديرنا لأنفسنا، الأمر الذي ينتج عنه زيادة قوة الثقة بالنفس لدينا. وتقدير النفس يعني الإيمان بعظمة انفسنا وامكاناتنا اللامحدودة، وهذا يختلف تماماً عن الغرور والكبر، فالغرور والكبر ينتج عن احتقار الاخرين والخفض من قيمتهم، الامر الذي يعني في حقيقته العميقة احتقار الانسان لنفسه، اما الثقة بالنفس فتنتج عن احترام وتقدير الاخرين، الذي يعني ايضا في حقيقته احترام وتقدير الانسان لنفسه.
اننا نصف انفسنا من خلال وصفنا للآخرين وهم مرآة تعكس حقيقة علاقتنا بأنفسنا. يقول الفيلسوف المجهول: ” لقد اندهشت كثيراً عندما اكتشفت ان معظم الصفات القبيحة التي اراها في الآخرين ما هي الا انعكاس لطبيعتي الخاصة ” وهذه النظرة العميقة للآخرين غائبة عن ثقافة مجتمعاتنا العربية، فلقد نشأنا وترعرعنا علي ثقافة لوم الاخرين ووصفهم بأقبح الاوصاف والحكم عليهم بأفظع الأحكام بدون ان ندري حقيقة أنهم انعكاس لنا. يقول جبران خليل جبران في حديثه عن العطاء للآخرين: ” إنك لا تعطي إلا ذاتك ولا تأخذ إلا من ذاتك” بمعنى أن الآخرين ما هم إلا جزء من ذاتك، ولا نشك في صحة هذا الأمر. اننا جميعاً من مصدر واحد، ولم ننفصل عن هذا المصدر، لأن اتصالنا به هو ما يمدنا بالحياة. فالله خلقنا من العدم وأوجدنا، وبعد ذلك لم يتركنا، بل لايزال يمدنا بالنعم وبالرعاية. واتصالنا بمصدرنا يعني في الوقت ذاته اتصالنا ببعض، لكن الذين نسوا هذا الأمر هم الذين تورطوا في الانفصال والأنانية والكبر والغرور. وحتى الحكماء من بيننا أو الذين يزعمون انهم حكماء وخطباء وعلماء نجد الكثير منهم متورطون في الانفصال، ويصفون الاخرين بأبشع الأوصاف، وهم في الحقيقة لا يصفون إلا أنفسهم.
ان ثقافتنا هي الدماء التي تسري في جسدنا النفسي، ومعظم مشاكلنا النفسية ناتجة عن تلوث ثقافتنا، وكذلك هي الدماء التي تسري في جسدنا الاجتماعي، ومعظم مشكلاتنا الاجتماعية ناتجة عن التلويث الموجود بثقافة مجتمعنا. ولا شك ان اهم ما يجب استئصاله من تلويث في ثقافتنا وثقافة مجتمعنا هو ذلك المتعلّق بالثقة بالنفس وبنظرتنا لأنفسنا وللآخرين.
والثقة بالنفس مفهوم واسع وعميق، وهو المعيار الحقيقي الذي يعكس مدى تقديرنا لقيمة انفسنا، ومن الجهل ان نتناوله بسطحية وابتذال. فعلي سبيل المثال عندما لا تستطيع أن تتخلى عن مكتسباتك في الحياة مثل التبرع بجميع ممتلكاتك أو الاستقالة من وظيفتك أو هجر بلدك أو مفارقة أحبابك، يكون ذلك بسبب ضعف ثقتك بنفسك. لأن الثقة بالنفس تعنى الإيمان الراسخ بأنك تستطيع بناء عالمك بالكامل من جديد وبكامل الاعتماد على نفسك. أما أي تعلق بالأشياء، أياً كان نوع هذه الأشياء، فيعد اعتماداً على الآخرين ومظهر من مظاهر ضعف تقدير النفس. وبهذا المعنى فإننا جميعاً بحاجة الي تعزيز وتقوية ثقتنا بأنفسنا، لا ليكي ننفصل عن الآخرين وعن الأشياء كجزيرة، بل لكي لا نعتمد إلا علي انفسنا ولا يأخذ قيمتنا إلا من انفسنا. ولا شك ان قوة الثقة بالنفس تعني انسانا ًقوياً متفوقاً، وضعف الثقة بالنفس يعني انساناً ضعيفاً فاشلاً. ولا شك أيضاً أنها من أهم الأسباب التي تدفعك نحو تحقيق أعلى ما تتطلع إليه.
4. انعدام أو قلة مصادر التحفيز:
مثلما يحتاج الانسان الي مصدر دائم للماء يحتاج أيضا الي مصدر دائم للتحفيز لكي يستمر في السير نحو تحقيق غاياته المنشودة بمستوى عالي من الدافعية. ولا شك أن انعدام أو قلة مصادر التحفيز في المجتمع هي من أهم أسباب تأخر المجتمعات. ويبدو أننا لدينا مشكلة في فهم أنظمة التربية والفن والإعلام العربي وبعض القادة لهذا الأمر. أقول مشكلة في فهمهم، لأنني أحسن الظن بهم، ومع كامل الاحترام لحكمائهم، ولذلك علينا أن نفعل ما علينا، ونشرح لهم هذه الفلسفة لعلهم يطبقونها في مجتمعنا العربي.
ان القائد الذي يعرف كيف يمد أتباعه بالتحفيز مثل الراعي الذي يعرف كيف يقود قطيعه إلى المراعي الخصبة. ولا شك أن القائد القوي هو الذي يكون لديه أتباع أقوياء قادرون على تحقيق ما يتطلع إليه. والأتباع الضعفاء دليل علي ضعف قائدهم، وضعف رؤيته، وتدني مستوى طموحاته، فهم مرآة حقيقية تعكس مدى ضعف أو عظمة قائدهم.
وعندما نتحدث عن الدور القيادي فإننا نتحدث على جميع المستويات ابتداء من الدور القيادي للمؤسسات الاجتماعية بمختلف انواعها وانتهاء بالدور القيادي للأسرة ثم الفرد الذي يجب أن يكون قائدا لذاته قبل أن يكون مديرا لشؤن حياته. ولقد أثبتت الدراسات أن الإنسان الناجح هو نتاج بيئة تتوفر فيها المحفزات، وأن تعدد وسائل التحفيز في المنزل ترفع من مستوى ذكاء الأطفال وتجعلهم أكثر نشاطا من غيرهم الذين يفتقرون إلى وسائل التحفيز.
يقول بعض الناس ممن يشاركون في المحاضرات التحفيزية أننا ننجح في تحفيزهم لكن التحفيز لا يدوم معهم وأنهم بمجرد عودتهم لممارسة حياتهم الطبيعية يتلاشى أثر المحاضرة. وعندما اريد الاختصار في الرد عليهم أستخدم عبارة زيج زيجلر المؤلف والمحاضر التحفيزي الأمريكي حيث قال: “كذلك هو الاستحمام عليك أن تقوم به يوميا.” بمعنى أن التحفيز هو أحد احتياجاتنا الضرورية.
اننا يجب ان نضع في اعتبارنا أن الإنسان بوصفه إنسانا يحتاج الى التحفيز كما يحتاج إلى الماء والغذاء والنوم، يحتاج إلى الاهتمام بدوافعه النفسية والروحية والعقلية كما يحتاج إلى الاهتمام بدوافعه الحيوانية، ويحتاج إلى حمايته من الخمول والكسل وفتور الهمة واحتقار الذات وتدني مستوى الطموح وغيرها من الاضطرابات النفسية كما يحتاج إلى حمايته من الفيروسات والأمراض التي تصيب بدنه.
يجب أن تتضمن الخطط التعليمية في المدرسة والجامعة خطط تحفيزية موازية، ويجب ان تحتوي الأفلام والمسلسلات والأغاني على الكلمات والموسيقى وقصص الصعود التحفيزية، ويجب ان ينشغل كل من التلفزيون والإذاعة والصحف بالتحفيز أكثر من انشغالهم بالتركيز على المشكلات والإثارة الغير هادفة والأخبار التي تتسم دائما بالسلبية، حتى أنها أصبحت وسيلة هدم تدرب عقل المتلقي على التفكير السلبي والتركيز على المشكلات. ويجب على الأسرة أن تعدد وتنوع من وسائل التحفيز للأبناء وأن تجعل يومهم مليء بالأشياء التي تحفزهم وتنميهم.
وإلى اللقاء بإذن الله في الجزء الثالث من أسباب انخفاض الدافعية
بقلم د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية