ليس معنى ان يكون المرء ناجحًا، ان تكون حياته خالية من المشاكل، بل يعنى انه يعرف كيف يحل هذه المشاكل، وربما يسير الانسان خلال سعيه وراء تحقيق اهدافه في الطريق الخاطئ، وذلك على الرغم من ان اختياره لأدوات ووسائل تحقيق هذا الهدف خضعت للدراسة والتفكير السليم، ولكنها لم تؤدى الى النتائج المنشودة، ولكن يبقى الشيء الرائع تجاه تلك الاهداف، هو ان السعي وراء تحقيقها تجربة لا تنتهى، حيث تعتبر رحلة تأخذ الانسان الى اماكن جديدة، وتعرفه على اشخاص جدد، وهذا ما تدور حوله الحياة، فالحياة مغامرة مثيرة، لا يجب ان تكون مملة او حزينة.
وهناك عدد من القواعد العلمية، التي تم وضعها من قبل علماء النفس تمكن الانسان من تحديد الخطوط العريضة لأحلامه وتطلعاته، والبناء عليها، والتي تبدأ بتحديد هذه الاحلام نفسها، فمن هنا تبدأ حرب داخل نفسه، لأن نماذج تلك الاحلام موجودة بعقله (اللاواعى)، والذي بدوره يؤثر ويتحكم في حالته الشعورية وافعاله.
عناصر المقال
نحن من نصنع الحدود لأنفسنا
فى عام 1934، قال الطبيب “الامريكى ثرومان” فليت: ان الانسان عندما يريد التفكير، فيجب ان يفعل ذلك بالشكل الصحيح، فنحن نعالج الاعراض الخاصة بالأمراض، دون معالجة الامراض نفسها، ونحن نعمل خلال العلاج على منطقة الجسد، ونسأل المريض (كيف تشعر)؟، وبالتالي تعالج الاعراض، وليس سبب المشكلة، فكل شيء ينشأ في العقل، ويجب ان ندرك تمامًا ان الافكار تسبب كل شيء، فإذا ادركنا ذلك سنعلم انه ليس هناك حدود، سوى التي نضعها بأنفسنا، فالأمر يبدأ من الداخل.
واشار “فليت” الى ان علينا ان نعالج الجسد والعقل والروح، بمعنى ان نعالج الشخص بالكامل، مؤكدًا ان العقل لم يراه أحد من قبل ابدًا، فالعقل ليس شيئًا، ومعظم الناس عندما يفكرون بعقولهم، يعتقدون انه المخ، الذي هو جزء من الجسد، حيث يتواجد نظام التحكم الكهربي لكياناتهم بالكامل، ولكن العقل هو الذي يتحكم في كل هذه الكيانات، وهو الذى ينشئ نظام التحكم الذى يطلق عليه (النظام العصبى).
النظام العصبي
النظام العصبي الذي يتحكم في النظام الكهربي الموجود في الجسم، يشبه جهاز الكمبيوتر الخارق، بحيث يجعل النظام الكهربي يشبه (الدمية)، التي يتحكم فيها كيفما يشاء، وبالتالي يصبح الانسان قادرًا على تعلم وابتكار جميع الاشياء، ودون حدود لذلك.
العقل جزئين
بالعودة الى ما قاله الطبيب الامريكى ثرومان فليت، فقد ذكر ايضًا، انه إذا كما نريد مساعدة الناس، فيجب ان نملك صورة للعقل، والتي جسدها في صورة دائرة كبيرة، متصلة بها من الاسفل دائرة صغيرة، أطلق عليها (الشخص الثابت).
قسم “فليت” الدائرة الكبيرة، الى قسمين، يحتوى الجزء العلوى منها على (العقل الواعي)، بينما الجزء السفلى على (العقل اللاواعى)، واشار الى ان (العقل الواعي)، و(العقل اللاواعى)، يعملان معًا، ويعبران عن ذاتهما عبر الدائرة الصغيرة المتصلة بالدائرة الكبيرة، وهى التي يطلق عليها جسد الانسان، والذى يعتبر اداة للعقل، فقبل ان يفعل الجسد شيئًا ما، يجب ان يحدث اولًا فى العقل، فنحن نعمل بقوة من الاعلى الى الاسفل، وهناك قوة تتدفق عبرنا لا حدود لها، والحدود الوحيدة لهذه القوة، هي الحدود التي توضع على الجسد الذى تتحكم فيه.
مثال.. الكهرباء
يمكن تشبيه ما قاله ثرومان فليت، بالكهرباء، او (الطاقة الكهربائية)، فالمصباح المضيء ليس هو الكهرباء، بل هو تعبير للطاقة الكهربائية، التي يمكن تجسيدها في أي شكل تتخذه، مثل المصباح، في هذه الحالة، فإذا أردنا ان نحصل على اضاءة أكبر، يمكننا استبدال المصباح، بمصباح أكبر منه حجمًا، وهو ما ينطبق على السلوك الإنساني، فإذا كنا نريد فعل أكبر، يجب ان تكون الفكرة أكبر.
وحين ينزوي العقل الواعي، لبعض الوقت، يتبقى العقل اللاواعى، وهو الهيئة التي يولد عليها الانسان، حيث يكون العقل الواعي، منزوي، وبعيدًا عن المشهد، بينما يكون العقل اللاواعى مفتوحًا على مصراعيه، وهو لا يملك القدرة على رفض أي شيء، فكل ما يوضع بداخله يتقبله، ومن هنا يتعلم الانسان اللغة، بجانب الاشياء الاخرى من المحيطين به، كما ان هناك بعض (القيود الجينية)، الموجودة مع الفرد منذ ان كان جنينًا، لذلك يخرج شكله وملامحه قريبه من والديه واقاربه.
بناء الحواجز النفسية
مع دخول الانسان الى مراحل التعليم الاساسية، يبدأ حاجز نفسي في التشكل لديهم، وتبدأ القدرات الواعية بالتطور، وهنا يبدأ بالتفكير بنفسه، فإذا كان التفكير منسجمًا مع انماطه الشخصية، يكون مريحًا ومنسجمًا معه، اما إذا كان التفكير غير متسق مع هذه الانماط، فإنه يصبح مضطربًا.
من القيود الجينية الى السببية
ننتقل من حالة (القيود الجينية)، الى حالة اخرى هي (السببية)، وتعنى ان الانسان يكون بحالة جيدة دائمًا، طالما ظل يتصرف وفقًا للأفكار المترسخة في عقله اللاواعى، مترجمة في الاشارات التي يطلقها العقل الواعي، الى جسده، وتظهر في شكل التصرفات والافعال.
ويكون الانسان دائمًا بحالة جيدة ايضًا، عندما تبقى احلامه بعيدة عنه، ويشعر بالسعادة طالما انه يفكر فيها فقط، دون ان يشرع في التخطيط لتنفيذها، فالأفكار تتردد على عقله، بين الحين والآخر، ولكنها تنزلق من بين اصابعه، وهذا ما يحدث مع معظم الناس، فالنجاح ينزلق من بين اصابعهم، لأن خطط التنفيذ، تظل غير مرغوب فيها.
ولكن إذا حاول الفرد ان يسلم هذه الافكار الى القوة التي بداخله، فإنه ينشأ لديه شعورًا سلبيًا، نظرًا لمعارضة تلك الافكار للأفكار المترسخة بداخله، ولكن مع الاصرار عليها، وتسليمها للعقل الواعي، وهو ما يجب فعله، فإن كل الحواجز النفسية تتحطم.
صراع داخلي
لكن إذا قام الانسان بتسليم الافكار الجديدة (الاحلام ــ التطلعات)، الى العقل اللاواعى، سيشعر بحالة من الخوف والقلق الشديد، ويظهر حاجز الخوف بشدة، ويصطدم الانسان به، ويتسبب في عودته الى قيود الافكار المترسخة في ذهنه مره اخرى، بالإضافة الى اثارة عدد من الافكار ذات الطبيعة المُحبطة، التي تقلل من همته، وهذا ما يبقى الكثيرين في اماكنهم، دون ان يتقدموا في وظائفهم، وفى الحياة بشكل عام، لأن القلق لم يتواجد على مستوى العقل الواعي.
والقلق هنا الذي تشكل في العقل اللاواعى، لم يتمكن من جمع كل ابعاد الافكار، فهو لم يفكر في آليات تحقيقها، ونتائجها، والفائدة التي قد يحصل عليها الفرد منها، وبالتالي فإن هذا القلق تحول على الفور الى الخوف، وبمعنى اخر فإن العقل اللاشعوري يضغط على القلق، فيتحول الى الخوف.
احتمالية العودة الى اسر الافكار القديمة
تؤكد الدراسات ان 1 من كل 10 اشخاص يفكرون بهذه الطريقة الغير صحيحة، وذلك لأن الافكار (الاحلام ــ التطلعات)، التي كان يجب ان يعبر عنها الانسان في صورة سلوكيات وتصرفات، تحولت الى خوف، يصطدم به الانسان، فيعود مرة ثانية، اسيرًا للأفكار القديمة المترسخة في ذهنه منذ القدم.
المعرفة بداخلنا
من وجهة نظر علمية، فكل الناس اذكياء، وكل المعرفة التي كانت، والتي ستكون، موجودة بالفعل داخل الانسان، وهذا ما يخبرنا بأننا لدينا قدرات هائلة بداخلنا، فالإنسان كيان روحي، وحمضه النووي مثالي، ويعنى ذلك ان المثالية موجودة بداخله على الدوام، وروحه دائمًا ما تسعى الى التمدد من اجل التعبير، ويشير ذلك الى ان هناك شيء داخلي يود التعبير عن ذاته باستمرار، ويسعى للخروج والانطلاق، ويريد ان يذهب الانسان الى هنا وهناك، لكن حاجز الخوف، يظهر كل مرة يحاول ان يفكر فيه الانسان بالقيام بشيء ما، ليخيفه، ويتسبب في شعوره بعدم الراحة.
يقول الكاتب الأمريكي جوزيف كامبل، (الكهف الذي نخاف دخوله، يحوي الكنز الذي تسعى للوصول اليه)، ويعنى ذلك ان الانسان يملك الكنز بداخله ولكن الخوف هو ما يمنعه من اكتشافه.
التغلب على الخوف
يجب على الانسان ان يدرك جيدًا الخطوة الاولى المطلوبة لتحقيق احلامه، وهذا كل ما عليه ان يعرفه، يجب ان يملك الشجاعة، وكلما تفهم الامور اكثر، كلما زادت شجاعته، وحين يقرر كسر حاجز الخوف، فإن الخوف، والافكار السلبية لن يتركاه، لكن عبر تكرار الافكار في العقل الواعي، من شأنها ان تدفع الخوف والافكار السلبية، الى التخلي عن سيطرتهما، على العقل اللاشعوري، وهنا يكون الانسان قد تمكن من صنع نموذج جديد من شخصيته، ويبدأ رحلة السعي وراء احلامه، ولكن من مكان جديد، ومختلف، يستطيع فيه ان يحصل على كل الخبرات دون تردد، او قلق، او توتر. وعلى الانسان ان يدرك ايضًا، ان الاهداف التي لا تثير مخاوفه، هي اهداف غير جيدة، ولا يجب ان يضيع وقته فيها، لأنه لا يمتلك من الوقت الكثير.
تطوير الخيال
يقول عالم التنمية البشرية الشهير نابليون هيل، (ان الخيال هو القوة الاروع، والاكثر اعجازًا، والهائلة بشكل يفوق الخيال، والتي عرفها الانسان على الاطلاق)، وبحسب الدراسات العلمية، فإن الشخص العادي، إذا كان يستخدم خياله، فإنه يستخدمه ضد نفسه، بمعنى انه يتخيل المشاكل، كما انه يتخيل ما لا يريده.
والخيال هو أعظم قوة خلاقة يمتلكها الانسان، ويمكنه ان يبنى أي شيء يريده ان يصبح حقيقيًا في الواقع، من خلاله، كما يمكنه استخدام الخيال ليذهب من خلاله الى المستقبل، ويجلبه الى الحاضر، وهذا ما يفعله كل الناجحين، حيث يرون الى اين يريدون ان يذهبون، ثم يتصرفون مثل الشخص الذي يريدون ان يكونون مثله، وهي ما يطلق عيه تقنية الممثل، بمعنى ان يتصرف الانسان مثل الشخص الذي يود ان يكون هو.
ولن يستطيع الانسان ان يفعل ذلك الا اذا استخدم خياله، وتشير دراسات علم النفس السلوكي، الى ان الانسان يستخدم المميزات التي خلق بها على نحو جيد، حتى سن الرابعة او الخامسة، لأنه يستخدم خياله لبناء صور رائعة داخل عقله، وعندما يدخل في مرحلة الادراك الواقعي، يصطدم بحائط اصم، والحقيقة ان الانسان هنا كان يمارس احدى القدرات الاستثنائية للعقل، فكما يمتلك الانسان حواسه الخمسة (البصر، اللمس، الشم، التذوق، السمع)، ليتمكن من العيش مع جسده الذى يحتاج الى الاشياء المادية، وبالإضافة الى ذلك فهو يمتلك ايضًا الخيال، والذى يمكن من خلاله ان يطير الى الصورة التي يريد ان تكون عليها حياته.
الظروف القهرية لا تمنع النجاح
بغض النظر عن بعض الظروف الاستثنائية والقهرية، التي قد يمر بها الانسان، خلال مشوار حياته، فإنها لا يجب ان تقتل القدرات الخيالية، الموجودة بداخله، فمن خلال متابعة الفرد للتغيرات التي تجرى من حوله، والتطور التكنولوجي الهائل، فسيدرك انه خلق بقدرات هائلة، ولا يوجد شيء يبقى على حاله او يستمر في مكانه، وهذه القدرات لا يستخدمها سوى حوالي 2 الى 3%، فقط من البشر، فالشخص العادي دائمًا ما يفكر ان يسير في حياته حتى يصل بأمان الى الموت.
ويرجع السبب فى ذلك ان الانسان العادي لا يؤمن ان هذه القدرات موجودة، والحقيقة ان كل القدرات الابداعية موجودة لدى جميع الناس، ولكن البعض قام بتنميتها واستخدامها، والاخر أهملها، ولم يستفيد منها.
واخيرًا تبقى الاشارة الى ان اصرار الانسان على كسر حاجز الخوف الموجود بداخله، بجانب التجرؤ على التخيل، من الامور التى تدفع بالقوة والحيوية فى عقله وجسده، وتتحسن معها صحته النفسية بدرجة كبيرة، ويصبح قادرًا على العيش بشكل سوى، ويتمكن من تحقيق تطلعاته.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية