كثر الحديث خلال الـ10 سنوات الأخيرة عن اضطرابات فرط الحركة أو النشاط الزائد والذي تشير الدراسات بأنه يشيع في الذكور بنسبة 1:3 عنه لدى الإناث، بالإضافة إلي كثرة اللغط حوله، وهل له علاقة بالوراثة، الظروف البيئية، وعوامل أخرى، خاصة من قبل الأمهات اللاتي تلاحظن أن أبنائهن يعانون من هذا الاضطراب.
عناصر المقال
اضطرابات متلازمة
اضطرابات فرط الحركة أو النشاط الزائد هي عبارة عن اجتماع أمرين متلازمين مع بعضهما، وهما النشاط الزائد المجتمع مع قلة التركيز. وهذا الاضطراب يتم اكتشافه خصوصًا عند الأطفال، وقليلًا ما يعاني منه البالغين، حيث يظهر بشكل أكثر حدية لدى الأطفال، نظرًا لأن طبيعة الأطفال ما تكون مائلة للحركة وبذل النشاط لاستكشاف الأشياء. وهنا يكون النشاط زائد عن الحد، ويكون الطفل المُصاب به معطل، ومخرب، بالشكل الذي يلفت معه نظر ذويه.
ملاحظة الأعراض
يمكن ملاحظة أعراض هذا الاضطراب على الأطفال من عمر سنة ونصف أو سنتين، حيث يبدأ في تعلم المشي. ويمكن ملاحظة ميوله لبذل نشاط أكثر من المعتاد، وخصوصًا إذا لم يكن هذا الطفل هو المولود الأول للأسرة، وبالتالي يمكن للأم مثلًا أن تجري مقارنة بين ذكرياتها مع أبنائها الأوائل، وبين سلوكيات الطفل الزائدة عن الطبيعية، مما يؤدي إلى اكتشاف الأمر مبكرًا.
وأحيانًا لا يتم اكتشاف الأسرة لهذا الاضطراب الذي يعاني منه أحد أبنائها، وذلك على الرغم من ظهور أعراضه بشكل فاضح على سلوكيات هذا الابن، وقد يرجع ذلك لجهلهم بأعراض الاضطراب، أو اعتقادًا منهم بأنه أمرًا طبيعيًا عند الأطفال.
قد يرتبط بالتوحد
توجد عدة مستويات لاضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز، وقد يكون مرتبطًا بمشكلة أكبر بكثير، وهي مشكلة مرض التوحد. حيث تؤكد دراسات الطب النفسي أن غالبًا ما تكون اضطرابات فرط الحركة مقدمات لمرض التوحد، إلا أنها تؤكد أنها لا تعني التلازم. وبمعني آخر، فاضطرابات فرط الحركة تتلازم مع قلة التركيز، ولكنها لا تتلازم مع مرض التوحد، إلا أن احتمالية الإصابة به تزيد مع وجود الاضطرابات.
وفي العادة فإن الأطباء والأخصائيين، يلجئون إلى البحث عن أعراض التوحد، لدي الأطفال الذين يعانون من اضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز، حيث يختلف العلاج كليًا باختلاف نتيجة الفحص.
الطفل المُخرب
من ضمن أعراض اضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز تتمثل في معاناة الطفل من حالة من عدم الاستقرار الداخلي والخارجي. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالاهتمامات، وسعي الطفل المستمر إلى تخريب الأشياء، حيث يعاني من وجود دافع داخلي عنيف يدفعه إلى مثل هذه التصرفات. والشيء الخطير في هذه الحالة هو الاعتداء البدني علي الطفل لردعه عن تكرار هذه السلوكيات، حيث يؤدي ضربه إلى تثبيت الحالة لديه.
أعراض خاصة
بالنسبة لأعراض اضطرابات النشاط الزائد، والتي تسبق الإصابة بمرض التوحد، فتشير الدراسات إلى أن الطفل المُصاب به يعيش في عالمه الخاص بكل ما تحمله الكلمات من دلالات. فهو لا يشعر بوجود الآخرين، ولا يهتم كذلك بما يجري حوله، ويستمر بشكل يومي على هذه الحالة إلى أن ينهكه التعب فيستسلم إلى النوم ليشحن جسده بالطاقة ليكرر نفس السيناريو مرة أخرى عقب استيقاظه.
وتؤثر أعراض اضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز على تدرج الطفل المُصاب بها في الحياة كاكتسابه للمهارات، حيث يكون أغلب الوقت فاقدًا للتركيز، ولا يدري ماذا يريد أن يفعل، كما أنه يهدر طاقاته فيما لا طائل من ورائه. بالإضافة إلي أنه غير منتج علي الإطلاق، وبالتالي يصبح مع هذه الأعراض متأخرًا عن أقرانه ممن في مثل عمره في التحصيل العلمي ونظرة الآخرين له حيث قد يقوده ذلك إلي الدخول في دوامة الصراع الداخلي، ويصبح مستاءً من عدم فهم المجتمع له، ويتولد لديه شعور بأنه لا دخل له فيما يفعل.
وللأسباب السابقة يطلب المتخصصين ضرورة تشخيص أعراض هذه الاضطرابات في أسرع وقت، فكلما كانت الأعراض في مقدمتها، كلما أمكن السيطرة عليها، وتحييدها، والتقليل من أضرارها.
خلل جيني
ثبت علميًا أن وجود اضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز، يرتبط بوجود خلل في أحد الجينات، والتي تؤدي إلي حدوث الأعراض، حيث يولد الاضطراب مع الطفل المريض، ولكن من الممكن أن تؤدي عوامل خارجية إلي تزكية الأعراض، وتدفعها إلي الظهور، مثل غيرة الطفل من أشقائه الأكبر منه، أو الأصغر، أو سوء المعاملة التي قد يلقاها من قبل أقرانه، أو الشعور بالاضطهاد، من قبل أسرته، أو المجتمع، سواء كان هذا الشعور حقيقيًا، أو أنه شعور وهمي لا وجود له في الواقع، فكل هذه العوامل تؤدي إلي ظهور الأعراض المرضية، بشكل علني.
العلاج .. كيميائي وسلوكي
يحتاج الطفل الذي يعاني من اضطرابات النشاط الزائد المُقترن بقلة التركيز إلى معاملة من نوع خاص من أجل إعادته إلى ممارسة نشاطاته بشكل سوي وصحيح، ويتمكن من حذو الطريق المناسب لتحقيق التفوق والإنجاز العلمي، وعيش حياته بشكل طبيعي.
ومن ضمن ما يحتاجه الطفل المريض هو تحديد خطة تعليمية خاصة به، بالإضافة إلى خطة تربية أخري موازية لها حتى يتمكن من تجاوز مرحلة الطفولة دون أن يتأخر خلالها علميًا، ويتمكن من الوصول إلى مرحلة النضوج، والذي قد يكون منقوصًا فيه بعض المدركات، إلا أنه يستطيع أن يصل إلى مرحلة الرشد، ويتجنب خسائر دراسية وحياتية كبيرة، حيث كلما يتقدم في العمر يقل لديه فرط النشاط حيث تشير الدراسات إلى أن الحالة تتراجع كثيرًا بدءً من سن الـ16 سنة.
وتسمح التربية الخاصة للطفل المريض كذلك بجانب أن يعود إلي السلوك السوي، والمعتاد لدى كل الناس مع استمرار مشكلة تصاحبه رغم تقدمه في العمر، ألا وهي نقص التركيز، ولكنها لا تكون معطلة لتحقيق الإنجاز، أو التأثير علي الأداء في الحياة.
وتجدر الإشارة إلى أن الطفل المريض باضطرابات النشاط الزائد المقترن بقلة التركيز يعتبر نوعًا خاصًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يحتاج إلى رعاية أكثر من التي تتلقاها هذه النوعية من الأطفال لأنه بإمكانه أن يصبح منتجًا وفعالًا، بل ويمكنه أن يصل إلى مناصب مرموقة يتحمل فيها مسئوليات جسيمة، وذلك بخلاف الأطفال الذين يعانون من أنواع إعاقات أخرى.
وتجري العادة عند علاج الأطفال الذين يعانون من هذه الاضطرابات أن يتم استخدام جميع أنواع العلاج مع بعضها جنبًا إلي جنب، حيث يعطى الدواء الكيميائي بشكل أساسي والذي يعمل علي تخفيف حدة الحركة المحافظة علي طاقة الطفل وتنمية القدرات الفكرية له عبر تقوية التركيز، والاستيعاب، والذاكرة.
وبالإضافة إلي ذلك يستخدم العلاج السلوكي والذي يحتاج إلي المثابرة في تطبيقه، حيث لا يتجاوب الطفل معه في البداية، ويرجع ذلك إلي قوة الدافع الداخلي العنيف، والذي لا يستطيع الطفل السيطرة عليه، بالإضافة إلي مشكلة قلة التركيز، والتي لا تسمح للطفل بأن يستوعب أكثر من 10% من المعلومات والإرشادات التي توجه له كما تختلف عنده المحفزات عن مثيلاتها عند أقرانه من الأطفال العاديين.
مراكز التأهيل
على الرغم من تأخرنا في إنشاء وتطوير مراكز التأهيل المختصة بعلاج هذه الحالات، إلا أن الدولة والقطاع الخاص قاما في الآونة الأخيرة بجهود محمودة في هذا الشأن. ولا يحتاج الأطفال الذين يعانون من اضطرابات فرط الحركة المقترن بقلة التركيز إلى الإقامة في مراكز التأهيل، بل ينحصر على حضورهم جلسات علاج سلوكي بالإضافة إلى خضوعهم إلى برنامج تعليمي هادف، يتضمن أساليب تعليمية مختلفة عن تلك التي تعطي لبقية الأطفال العاديين.
ويمكن للمريض بهذه الاضطرابات أن يتزوج، حيث تقل حدة الاضطرابات عند المراهقة المتأخرة، ولكن تبقي المشكلة، في إمكانية أن تنتقل الحالة وراثياً للأبناء.