تعد فكرة تقبل الظروف الصعبة التى قد تمر بالانسان خلال مراحل حياته، من الأمور شديدة الأهمية التى تؤثر فى صحته
النفسية، وبالتالى فى قدرته على صياغة الحلول المناسبة للتغلب على هذه الظروف، وابتعاده عن الانزلاق فى
مستنقعات الاحباط.
وتؤكد الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يتقبلون الصدمات التى تجلبها لهم الحياة ويتكيفون معها، هم الذين يتمتعون
بالهدوء النفسى والتصالح مع الذات، وذلك على الرغم من حصار الأزمات وضغوطها لهم، كما أنهم الأكثر قدرة على التفكير
بشكل جيد واختيار أفضل الطرق لتحقيق أهدافهم والوصول اليها.
ومن ضمن الأمور التى تجعل مشاعر الانسان دائمًا تعيش حالة من الرضا، وما ينتج عن ذلك من تمتعه بالاتزان النفسى،
هو ايمانه بالقدر خيره وشره، وبالتالى تصبح نظرته للأمور السلبية تحليلية تغيريه، وهى نابعه من حالته النفسية المستقرة.
والاحباط هو شعور سلبى يصيب الانسان عندما يفشل فى تحقيقه رغبة أو هدف ما، وقد تكون تلك الرغبة نفسية أو مادية،
حيث ينشأ لديه هذا الشعور، وهو غالبًا ما يحدث عند رفع الفرد لسقف توقعاته الايجابية، والتوقع الايجابى المقصود هنا يختلف عن التفاؤل.
وتعتبر الشخصيات الأنطوائية والانعزالية وقليلة الثقة بالنفس من أكثر النوعيات المعرضة للاصابة بالاحباط المستمر، والذى قد
يلازمها لفترات طويلة، وعلى العكس تكون الشخصيات الاجتماعية واصحاب الطموح الواقعى أقل تقبلا للاحباط ورضوخًا له،
وان حدث واصابهم الاحباط، فإنه لايستمر معهم لفترات زمنية طويلة.
تابع الإحباط .. وقود إيجابي لاستكمال مسيرة الحياة
والاحباط أيضًا هو من الأمور التى قد تكون دافعة للانجاز وتحقيق الطموح، اى أنه من الممكن أن يتحول الى شئ ايجابى،
وذلك باعتبار أن كل ما أوجد الله على وجه الأرض خلق من زوجين، يقول تعالى فى القرآن الكريم (ومن كل شئٍ خلقنا زوجين)،
والمقصود بالزوجين هنا ليس الذكر والأنثى فقط من الكائنات الحية، ولكن الوجهين والاستخدامين والطريقين، اى أن كل أمر
له جانبين، جانب ايجابى، وجانب سلبى، ولكن وللاسف فإن الشائع لدى عامة الناس هو الشئ السلبى فقط،
دون الانتباه الى أن الاحباط طاقة، وأن الانسان خلق ولديه القدرة على تحويل أى طاقة الى دافع للانجاز.
ويجب النظر عمومًا الى فترات الاحباط التى تصيب الانسان خلال مسيرة حياته على أنها فترات لاعادة حساباته وتنظيم
وتنقية أفكاره، المدعمة بالتجارب التى سبقت فترة الاحباط، وتكوين شحنة طاقة ايجابية منها وتحويلها الى وقود يغذى
بها ادوات تحقيق أهدافه.
وهناك بعض العوامل والمؤثرات التى تدفع الانسان الى الاصابة بالاحباط، مثل الشخصين الذين ينويان الارتباط، ويعقد كل
منهما الأمانى على الاخر، حتى تتحطم على عتبة الزواج، وما يتطلبه من أمور مادية وقيود اجتماعية وضوابط جديدة لم تكن
ضمن حساباتهم، كما أن الاحباط يزداد بصورة أكبر عند الذين يرغبون باستمرار فى التأثير على الاخرين والتغيير فى معتقداتهم
وقناعاتهم، والذين يحرصون على ان يتسم كل شئ يحيط بهم بالتنظيم والترتيب.
وكذلك يصاحب الاحباط الدائم من ليس لديهم هدف يسعون الى تحقيقه، وأيضًا من لايمتلكون خطة يديرون وينظمون من
خلالها مسيرتهم العمرية، تكون عناصرها الوصول الى مكاسب مادية واجتماعية واحيانًا نفسية.
وهناك مجموعة من النصائح التى يذكرها علماء النفس والمتخصصين للتخلص من الاحباط والسيطرة عليه، منها خضوع
الشخص المحبط لجلسات التأمل، والبعد عن الأماكن التى قد يسبب وجود الفرد فيها زيادة نسبة الاحباط لديه،
أو الأشخاص الذين يسلبون طاقته، وعدم بناء التصورات المستقبلية وفقًا للأفكار السلبية التى تجول بخاطر الانسان
خلال مروره بفترات الاحباط، على اعتبار انها فترة مضرة بالمشاعر والتقديرات.
وأخيرًا يجب معرفة أن عملية زوال الاحباط من النفس البشرية تحتاج الى بعض الوقت، وبالتبعية يكون الانسان فى
حاجة الى التحلى بالمزيد من الصبر والاصرار للخروج من هذه الحالة السلبية التى تؤثر على صحته النفسية وتضرها.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية