يعد مرض الفُصام أحد أشهر الامراض النفسية، والذي استغرق العلم فترات طويلة للتوصل الى علاج له، حيث ظهر تحديدًا منذ ما يقرب من 50 عامًا. وكانت تجرى العادة قديمًا على عزل المرضى المصابين بهذا المرض بعيدًا عن المجتمع، وكانت تستشعر منهم خطورة على أنفسهم من جانب، وعلى الاخرين من جانب اخر.
وطبقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن مرض الفُصام يصيب نحو 1% من مجموع سكان العالم، وهو مرض عقلي، تتميز اعراضه بأنه يفصل الشخص المصاب به تمامًا عن الواقع، أي انه يدخل المريض في عالم خاص من صنع المرض، بحيث يبتعد عن الحقيقة ويرفضها، ويرفض فكرة اصابته باضطرابات، كما يرفض معها تقبل العلاج.
وتختلف اعراض المرض العقلي عن اعراض المرض النفسي، والذي يعلم ويعرف الشخص المصاب به ما يجرى من حوله، بالإضافة الى شعوره اليقيني بأنه يعاني من خلل ما، وتقبله الى فكرة تلقى العلاج، وهذا ما يطلق عليه علميًا الاستبصار، وهو الفرق الجوهري بين المرض العقلي والمرض النفسي.
ويرتبط الفُصام او (السيكيزوفرنيا)، بوجود خلل بوظائف اساسية في الدماغ، مثل التفكير والادراك والارادة، والعواطف، واحيانًا الحركة، ومن ضمن الاخطاء الشائعة بين العامة، الاعتقاد بأن مريض الفصام يعاني من صراع بين شخصيتين بداخله.
وبالنظر الى الخلل الذي يحدثه الفصام بوظائف الدماغ، فإنه مثلا يحدث فراغية في محتوى التفكير، وعدم اتساقها مع الواقع، وسيطرة ما يسمى بالضلالات على تفكيره، والمقصود بالضلالات هي الافكار الخاطئة التي يعتقد المريض انها حقيقية، وتوجد عدة انواع من الضلالات، مثل ضلالات الاضطهاد، وتعنى اعتقاد المريض بأنه مضطهد ممن يحيطون به، وان منهم من يحاول ان يؤذيه، ويعيش المريض وبداخل عقله هذه الفكرة، التي تؤدى به الى الانطوائية والانعزال.
وتسيطر ضلالات الفصام على المريض بشكل كامل، ويترتب عليها اصابته باضطرابات اخرى، مثل الوهم والخوف الشديد، بالإضافة الى العواطف والقلق والسلوكيات الغير مفهومة، التي يقوم بها المريض، لأنه يتصرف بناءً على الافكار التي تدور في ذهنه، ولديه يقين بحقيقتها، على الرغم من عدم توضيحها للمحيطين به.
وتوجد انواع اخرى من الضلالات، مثل ضلالات الاشارة، وهي تصور المريض ان كل الاحداث التى تجرى من حوله تشير اليه، ولها علاقة به شخصيًا، مثل تحدث شخصين الى بعضهما البعض، فيعتقد بأنهما يخوضان في سيرته، او انهما يسخران منه.
والغيرة المرضية تعتبر ايضًا أحد انواع الضلالات التي يبثها مرض الفصام في عقل الشخص المريض، حيث يشك الزوج مثلا في سلوكيات زوجته، او العكس، إذا كانت الزوجة هي المريضة، وذلك دون أي مبرر حقيقي لهذا الشك او هذه الغيرة. وقد يتمادى المريض بالإسراف في الغيرة، وتكون دلائله على ذلك غير منطقية مثل طريقة مشيها بالشارع، او تحدثها مع الاخرين. والافكار المغلوطة او الضلالات تكون ثابتة في عقل المريض لا تتغير، بمعنى عدم قدرة الاخرين على اقناعه بغيرها بالمنطق، والسبب في ذلك هو المرض، الذي يجعلها غير قابلة للتغيير.
ومن ضمن الاضطرابات التي يسببها ايضًا مرض الُفصام ما يطلق عليه اضطرابات الادراك، ومعنى الادراك، هو القدرة على اعطاء معنى للإحساس، او هو اعطاء معنى لما رأته العين، او لمسه الجلد، او سمعته الاذن. ويعانى المريض هنا مما يسمى بالهلاوس، والتى ترتبط بالـ5 اعضاء الحسية للإنسان (العين، الاذن، اللسان، الشم، والجلد). وتؤدى الهلاوس الى سماع المريض الى اصوات غير موجودة من الممكن ان تأمره او تنهره، او ان مصدر هذه الاصوات قادمة من السماء، كما قد يشتم روائح غير موجودة، او يرى اشياء غير حقيقية (تهيؤات) مثلا، او يتبادل الحديث او يتمتم بكلمات دون ان يكون هناك سبب لذلك.
ويؤكد الاخصائيين النفسيين ان مرض الفصام لم يعد الشيء المبهم الغير قابل للاستجابة العلاجية، بل على العكس فإن الادوية الحديثة جعلت منه عرضًا عاديًا قابل للسيطرة كباقي الامراض الجسدية التي يمكن ان يعيش بها المرضى مع اقرانهم في المجتمع، دون الخوف منهم.
وايضًا يؤكد الاخصائيين الى ان الاكتشاف المبكر لمرض الفُصام، يجعل استجابته أسرع للعلاج، ومن ثم زوال الاعراض قبل تفاقمها بعقل المريض.