التعريفات السلبية للصحة النفسية هى الفئة التى تضم جميع التعريفات التى تحدد الصحة النفسية بضدها عن طريق استبعاد كل ما لا يتفق معها، وجاء مصطلح السلبية هنا لأنها تنفى وجود اعراض المرض او الاضطراب.
والتعريفات السلبية تعرف الصحة النفسية بالخلو من اعراض المرض او الاضطرابات النفسية او العقلية، فهى تنظر للصحة النفسية بانتفاء حالة المرض، فإذا كانت حالة المرض موجودة، كانت الصحة النفسية مصابة، وتتحدث عنها بلغة المرض او الاضطراب، ويصبح الشخص المصاب غير سويًا، أما اذا كانت حالة المرض غير موجودة، كانت الصحة النفسية سليمة، وتتحدث عنها بلغة الصحة وتوافرها، ويكون الشخص سويًا.
ولكن التعريفات السلبية للصحة النفسية، التى تقوم على الخلو من اعراض المرض او الاضطراب النفسى، من وجهة نظر البعض، تظل محدودة القيمة، ومع ذلك يبقى من الصحيح أن الصحة لا يمكن فهمها الا بالرجوع الى المرض، وأن السواء لا معنى له الا على ارضية اللاسواء.
وتوجد ملاحظات حول هذا التعريف، تأتى من منطلق ان المرض او الاضطراب النفسى قد يكون موجود، ولكنه غير ظاهر، فقد تكون الحالة المرضية فى حالة الاعتمال او التخمر، كما ان الصراعات اللاشعورية قد تكون موجودة واحيانًا تكون على اشدها، اى أن عدم وجود الاعراض لا يعنى عدم وجود المرض، لأن خلو الفرد من المرض شرط اساسى من شروط الصحة النفسية، ولكنه شرط ناقص للاسباب المشار اليها، من احتمال دخول الحالة المرضية فى مرحلة الاعتمال، على الرغم من تمتع الفرد بالصحة النفسية الكاملة ظاهريًا.
ويبرهن اصحاب هذه الملاحظات على صحتها، بأن هناك اشخاصًا قد يبدءون يومهم وهم يتمتعون بصحة نفسية جيدة، ولكن مع حلول المساء ووقوعهم تحت ضغوط ازمة ما فإنهم يلجأون الى الانتحار مثلاً، على الرغم من شهادة جميع المحيطين بهم بأنهم كانوا على قدر كبير من الاتزان النفسى، الا ان الحالة اللاشعورية عندهم كانت تعانى من حصار وصراعات، وما ان اطلقت الازمة الشرارة لها، حتى خرجت الى الوجود بصورتها المفاجئة العنيفة.
كما يدللون على ذلك بأن هناك الكثيرين الذين يتعرضون للانتكاسات المستمرة ومع ذلك لا يميلون او يقدمون على القيام بتصرفات مثل الانتحار او ايذاء انفسهم، فليس كل من يمر بأزمة معرض للانهيار النفسى، ولكن فقط هم الذين مهيئون أو لديهم الاستعداد رغم خلوهم من الاعراض.
ومن ضمن الملاحظات أيضًا المأخوذة على هذا التعريف، أنه لا يحدد صفات او خصائص وشروط ايجابية او مستويات للدلالة على الصحة النفسية، فقد نجد فردًا خاليًا من اعراض المرض النفسى او العقلى، ولكنه مع ذلك غير ناجح فى حياته او فى علاقاته الاجتماعية بغيره من الناس، سواء فى العمل او حياته العامة.
وبالاضافة الى ما سبق، فهذه التعريفات لا تأخذ بعين الاعتبار التاريخيية والسياسية والاجتماعية المحيطة بالفرد والجماعة، حيث ان هذه الظروف تؤدى الى ردود فعل غير سوية، وتؤدى كذلك الى اختلال فى الصحة النفسية وفقًا لهذه الفئة من التعريفات، الا انه وطبقًا للعديد من نظريات علم النفس الاخرى واتجاهاته تعد ردود الافعال هذه او الاستجابات سوية وطبيعية ومنطقية.
وفى هذه الجزئية مثال المناطق السكنية العشوائية التى تعانى من الزحام وسوء الخدمات والمرافق، فمن الطبيعى أن تكون تصرفات الأفراد الذين يعيشون بها غير سوية، ولكنهم يقومون بها فى محاولة منهم للتكيف مع ظروف البيئة المحيطة بهم، وبالتبعية تكون العادات العادية فى تلك البيئة غير سوية بكل مقاييس علم النفس، ولكنها نتاج تصرفات افرادها النابعة من هدفهم فى البقاء والتكيف.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية