يتعرض الكثيرون فى معترك الحياة الى ما يطلق عليه الصدمة النفسية أو العصبية، والتى يكون حدوثها نتيجة لحدوث موقف
كان يتوقع الانسان عكسه تمامًا، وغالباً مايكون لهذا الموقف علاقة بالمقربين من الانسان، سواء كانوا من أهله أو اصدقائه
أو زوجته أو حتى أبناءه، لذلك وقعها يكون شديداً على النفس البشرية، وكذلك قد يكون أيضاً سبب الصدمة ناتج عن حدوث
أمر ما لم يكن يتخيل حدوثه، أو نتيجه لم يتخيل الوصول اليها.
ويؤكد خبراء علم النفس أن الصدمة تحدث عندما يكون الانسان مهيئاً للإصابة بها، مرجعين ذلك الى أن الانسان عادة ما
يأمن الى بعض الاشخاص القريبين منه ويفرط فى مستوى الثقة التى يمنحها لهم، وان كانت الثقة هنا أمراً طبيعياً،
خصوصاً بين الاشقاء والأزواج، والأهل وابنائهم، او حتى الاصدقاء، الا انها السبب الرئيسي لاصابة الفرد بهان وكذلك
الأمر فيما يتعلق بالثقة فى الظروف ونتائج الأفعال.
ويؤكد الخبراء النفسيين أن هناك مجموعة من المعايير يجب على الانسان السوى الراغب فى النجاح معرفتها، حتى يتفادى
التعرض الى الصدمات، والتى غالباً ما تترك فى النفس البشرية جروحاً غائرة قد تحتاج الى فترات زمنية طويلة للتعافى من اثارها.
ومن ضمن هذه المعايير، معايير وضوابط اختيار الاصدقاء المقربين، حيث يؤكد العلماء أن اغلب البشر لا يعرفون على وجه التحديد
الظروف والملابسات التى خلقت وتكونت خلالها صداقاتهم الحميمة، أو معرفتهم بزوجاتهم، مشيرين الى أن اغلبها تكون فى
المدرسة أثناء سنوات الدراسة، أو فى النادى، أو حتى نتيجة الجيرة، أو زمالة فى العمل، ولكن وتحت ظروف قد تكون قهرية
لأحد الطرفين، تحدث مشكلة ما تؤدى الى شرخ فى هذه العلاقات التى قد يكون بناؤها استغرق بضع سنين، حيث تكون
تلك المشكلة أو الخيانة بالونة اختبار للعلاقة كلها، ومن ثم تحدث الصدمة العصبية.
تابع الصدمة النفسية
ويندرج تحت هذه المعايير، المعاملات المالية، فيرى بعض الخبراء النفسيين، أن المعاملات المالية تعد أقوى أنواع العلاقات
التى يستطيع منها الانسان اكتشاف المشاعر والطبيعة الاجتماعية والاخلاقية للشخص المتعامل معه، كما أن الوقوع تحت
ضغط مشكلة ما من طرق قياس طبيعة الشخصية، ومدى توافقها مع واجبات الصداقة أو الارتباط العاطفى، او غير ذلك.
والعقل الباطن هو المسئول عن تبعات الصدمة النفسية التى قد تصيب الانسان، فمثلا لو قام صديق لأربعة اشخاص بخذلانهم
فى أحد الأمور، فبالتأكيد سوف يختلف تأثير الصدمة وشدتها من شخص لآخر، ويرجع ذلك الى مدى الثقة التى منحها كل
منهم له، كما انه وعند الصدمة يغيب العقل الواعى للانسان، ويتولى عقله الباطن السيطرة على تصرفاته.
ويعتبر الموت من أكبر الصدمات التى يتعرض لها الانسان، فمثلا قد يؤدى وفاة احد المقربين من الشخص الى تعرضه الى انهيار
نفسى وعصبى كامل، أو تكون الصدمة أقل حدة ولكنها تنجرف به الى اضطرابات نفسية كالاكتئاب والذهان وغيره من الأمراض
النفسية المدمرة.
وينصح الاخصائيين الاشخاص الذين يتعرضون للصدمات أن يدركوا أنهم اسرى لانفعال نفسى شديد، خاصة فى الفترة التى
تلى الصدمة مباشرة، وأن تفكيرهم المنطقى يعانى بعض الاضطرابات والخلل الناتج عنها، وأن هذا الخلل قد يصل فى بعض
الاحيان الى 95%، مؤكدين أن البكاء يعد أقوى وسائل التنفيس عن الصدمة، خصوصاً اذا كانت شديدة، وأقوى من توقعات
المصاب بها، مطالبين بعدم الخجل نهائياً من البكاء خصوصاً عند الرجال.
ويطلب الاخصائيين النفسيين من الاشخاص الذي يتعرضون لصدمات شديدة تفقدهم القدرة على التفكير المنطقى، ان يحاولوا
وضع خطة زمنية قصيرة، ويفضل أن تكون بسيطة، للخروج من الحالة السيئة التى أصبحوا عليها، عن طريق محاولة العودة
لممارسة الهوايات مثلا، أو الابتعاد عن الأماكن التى شهدت حدوث الصدمة.
بقلم/ د. سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية