لا يزال المرض النفسى والعقلى يضفى صبغة اجتماعية ووصمة غير حميدة على الشخص المصاب به فى مجتمعاتنا العربية،
وللأسف لا يتم معاملته أو تقبله على أنه يعانى من مشكلة صحية، شأنها شأن المشكلات الصحية الأخرى.
وتشير الدراسات الى أن نحو 50% من الأمراض النفسية، تصيب من هم دون عمر الـ14 سنة، فيما تصيب 75% من الأمراض
النفسية من هم دون عمر الـ24 سنة، وبالتالى تختلط اعراض الأمراض النفسية مع فترتى الطفولة والمراهقة، ولا
يستطيع الأهل اكتشاف أن أطفالهم يعانون من مشكلات أو اضطرابات نفسية.
والأخطر من الوصمة الاجتماعية التى يخشاها كل من يقع فريسة للمرض النفسى، وعلى الرغم من ظهور اعراض الاضطرابات
النفسية، هو عدم لجوء أغلبهم الى العلاج النفسى المباشر، بل يتم التوجه الى تفسيرات غير واقعية وحلول اخرى قد تفاقم
من المرض وتؤدى الى تراجع الحالة وتأخرها وتزيد من الأعراض، وبالتالى يصبح دخول المصابين الى المصحات النفسية أمراً
حتمياً، مع احتمالية أن تكون مدة البقاء فيها أطول.
والمرض النفسى شأنه شأن الأمراض البدنية، يحتاج بمجرد ظهور اعراضه الى اللجوء للطبيب النفسى، وتصبح الفرصة أفضل
لعلاج المريض بشكل مبكر، فيما يؤدى الإهمال الى زيادتها مثل بقية الأمراض البدنية التى تصيب الجسد.
وبالنسبة للاعراض المبكرة التى قد تظهر على المصاب باضطرابات نفسية وعقلية، هى انسحابه من دائرته الاجتماعية،
وتراجعه عن القيام بأنشطة كان معتاداً على القيام بها بشكل دورى، مثل الذى يمارس احدى الالعاب الرياضية بشكل دائم،
وفجأة يتوقف عن ممارستها. كما تعتبر حالات التغير فى السلوك احدى الاعراض المبكرة للمرض النفسى.
ويجب التركيز أيضاً عند ملاحظة أعراض الاضطرابات النفسية، التنبه الى التغيرات المزاجية للشخص، ومقارنتها بما كان عليه فى
السابق، سواء كانت طبيعته مرحة، ثم بدأ يميل الى السكون، او كانت شخصيته اجتماعية، واصبح يميل الى العزلة والأنطواء.
وينبه خبراء الصحة النفسية أيضاً الى أن تغيير سلوكيات وأنماط تناول الغذاء، والشهية، وأوقات النوم، والفترة التى يستغرقها
الشخص فى النوم سواء القليل او الأكثر من المعتاد، دليل على وجود اعراض لاضطرابات نفسية.
تابع المرض النفسي ليس عيباً
ويعتبر كذلك نمط تغير طبيعة التفكير دليل على وجود اعراض نفسية، والمقصود بالتفكير هنا، هو التفكير الطبيعى الواقعى الذى
اعتاد الناس عليه، فالأطفال بشكل عام يميلون الى التفكير الخرافى او الخيالى، وهو مقبول منهم، ولكن عندما يتحدث شخص
بالغ متزن بهذه الطريقة معبراً عن أفكار خيالية، مثل وجود من يحاول ايذاؤه، أو لقاؤه بشخصية عظيمة لا وجود لها فى الواقع،
فهذا دليل على وجود خلل نفسى.
وهناك حالة قد يدخل فيها من يعانون من الامراض النفسية، وهى الأنفصال عن الذات، حيث يشعرون بشيء من تبلد المشاعر،
وغياب التفكير المنطقى، وعدم توافق رؤاهم مع المحيطين بهم، وفشلهم فى التفاعل الاجتماعى، والقدرة على الانجاز.
وتوجد جزئية مهمة جداً تتعلق بغياب السعادة والدافعية والحماس، عند التوجه للعمل أو تحصيل العلم، فمن ضمن أعراض
الاضطرابات النفسية، غياب السعادة واللذة فى العمل أو اثناء القيام بتحصيل العلم أو ممارسة الهوايات، بل على العكس
يكون الاحساس بفقد الطاقة والهمة ظاهراً بصورة واضحة على المريض.
وعن النصائح التى يمكن لمن تظهر عليه اعراض الاضطرابات النفسية أن يلجأ اليها، يأتى فى مقدمتها أن لا يتعامل مع
الأعراض على أنها أمر طبيعى خصوصاً اذا طالت مدتها، وأصبحت الحالة النفسية جزءاً من الروتين اليومى، فالكثير من المرضى
يصلون الى الطبيب النفسى فى مرحلة متأخرة، أو يخجلون من التحدث اليهم ولا يثقون فيهم، كما يجب عدم انكار وجود
الحالة، أو اللجوء الى الدجالين والمشعوذين.
وأخيراً يجب على الشخص المتزن ان لا يغالى فى حياته، ويحمل نفسه فوق طاقته، وأن يحرص على الحصول على قسط كافى
من النوم وممارسة الرياضة بطريقة منظمة، وأن يتقبل ضغوط الحياه بقدر من الرضا يمكنه من التدبر فى المشكلات والعمل على حلها.
بقلم/ د. سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية