ينقسم مرض الوسواس القهري إلى نوعين، الأول هو الوسواس القهري (الفكري)، والثاني هو الوسواس القهري (الفعلي)، ونتطرق خلال سطور هذا المقال، إلى النوع الأول (الفكري).
حيث يُسمي الوسواس القهري (الفكري) باسم آخر (القولي)، ويعرف على أنه تكرار فكرة في الذهن لا تُصاحب بتنفيذ مادي عملي بقدر ما إنها صراع فكري داخلي بين أفكار دخيلة ومحاولات الإجابة عنها فكريًا، أو محاولات طردها من الذهن وبالتالي فالصراع يكون داخل العقل، وهو صراع محسوس غير ملموس.
عناصر المقال
حالة من النزاع
يعيش مريض الوسواس القهري (الفكري)، مع المرض حالة من النزاع يتألم منه ويتفاعل معه. ويبدأ المرض خفيفًا ثم يتدرج مع المريض صعودًا حتى يتحول إلى مشكلة أساسية تحتل مساحة الفكر كاملًا.
ويمكن تلخيص المرض بأنه التصاق العقل بفكرة واحدة، والدوران والتمحور حولها، وعدم مغادرتها أو الخروج منها.
معوقات تواجه الأطباء عند التشخيص
غالبًا ما يجد الأطباء والأخصائيين النفسيين بعض المعوقات خلال معالجتهم لمرضي الوسواس القهري (الفكري)، من ضمنها: أن المريض في أحيانٍ كثيرة، لا يذكر أنه مُصاب بالوسواس. وقد يرجع ذلك لعدة أسباب منها تمني المريض ألا يكون مصابًا بهذا المرض من الأساس. كما قد يظن أن لديه القدرة الذاتية على التخلص من الوسواس، فيعطي الطبيب بعض التفاصيل الصغيرة، ويخفي حقيقة المشكلة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تفسيرات وتشخيصات مختلفة عن حالته.
وفي حالات أخري يحكي المريض عن الأعراض الجسدية المُصاحبة للوسواس أملًا في أن يصف له الطبيب علاج يزيل عنه بعض الأعراض الجزئية التي يعاني منها دون أن يشركه معه في المسائل الفكرية التي يعاني منها اعتقادًا منه بأن أحدًا لا يمكنه أن يساعده على التخلص منها، وهنا تكون المشكلة، حيث يعتقد المريض أن بإمكانه حل مشاكله بنفسه، وهذا الأمر يزيد المسألة سوءً.
وفي الحالات السابقة لا تفيد الفحوصات الطبية التي يطلب المريض من نفسه إجرائها أو يتم إجرائها تحت ضغط من أهل المريض، حيث لا تري أعراض هذا المرض في الإشاعات وصور الفحوصات التي تجري على الدماغ.
تشابه الأعراض
على العكس فتوجد الكثير من الحالات التي يكون المريض منزعجًا مما ألّم به من تلك الأفكار التي تضايقه، وتحول حياته معها إلى جحيم، ويريد التخلص منها، ومن أجل ذلك يقرر الذهاب إلي الطبيب.
وفي تلك الحالات يحاول الأطباء المعالجين وضع عدة احتمالات لحالة المريض حتى لا تختلط الأمور لتشابه أعراض الوسواس القهري مع أعراض أمراض نفسية أخري مثل الفُصام. أو أن المريض قد يكون يعاني من حالة اكتئاب مصاحبة للحالة الأساسية، وهي الوسواس حيث يقربون الحالات المرضية، من تلك الاحتمالات.
مُهمة معقدة
تعتبر مهمة الأطباء مع مرض الوسواس القهري (الفكري) معقدة منذ البداية مرورًا بالمواكبة وصولًا للمعالجة إلى حين الانتهاء من العلاج ودخول المريض في مرحلة المتابعة لمنع حدوث الارتدادات المرضية مرة أخري.
أمثلة للأفكار المرضية
هناك العديد من الأمثلة لمرض الوسواس القهري (الفكري)، والتي تتسم بالتعقيد عن الحالات التي تتمثل فيها أعراض الوسواس القهري (العقلي)، ومن ضمن هذه الأمثلة فكرة الاستحواذ الديني، وهي من أخطر الأفكار التي تصيب مرضى الوسواس القهري (الفكري)، نظرًا لخروجها من منطلق إيماني، فيكون المريض سعيدًا لاعتقاده بأن إيمانه راسخًا، إلا أنها تتمادي وتقحم نفسها بقوة في عقله، فتصيبه في مقتله الفكري، بحيث يصبح في حالة معاناة من الخوف من الكفر أو ظنه بوقوعه في الكفر، أو اعتقاده بأنه يسُب الذات الإلهية.
وبالنسبة لمسألة خوف المريض من الكفر، حيث تحاصر المريض رغم إيمانه الشديد فكرة أنه قد يكون خرج من دينه، وأرتد عليه، ويبدأ الشك في نفسه، وفي تصرفاته، وسلوكياته، بالإضافة إلى شكه في خروج هذه الأفكار من ذهنه، وانتشارها بين الناس، نقلًا عنه، وبالتالي يتوجه إلى البحث عن ارتدادات هذه الفكرة الصادرة منه عند الآخرين.
وعن ظنه بالوقوع في الكفر، حيث تراوده أفكار كفرية، وخصوصًا خلال الصلاة، ومن الممكن أن تفقده هذه الأفكار صوابه، ويدخل معها في متاهة كيفية التخلص من يقينه بأنه كفر.
وأما الظن بسب الذات الإلهية، فإن الوسواس يأتي للمريض في شكل فكرة أنه يسب الذات الإلهية ويدخل المريض في صراع معها حيث يحاول أن ينفي بصورة دائمة أنه فعل ذلك بالشكل الذي يدخله في صراع مستمر مع تلك الفكرة، حيث تتشعب الفكرة، وتظهر أصناف متعددة ومتنوعة من السُباب.
وغالبًا ما يتحول مرضي هذا النوع من الوسواس إلى أشخاص انطوائيين جدًا مع شعورهم بقدر كبير من الدونية، بالدرجة التي يري نفسه معها أقل من الآخرين لأنهم كلهم ــ من وجهة نظره ــ سينجون يوم القيامة، إلا هو.
وتوجد أمثلة أخرى للأفكار المصاحبة لمرض الوسواس القهري (الفكري)، مثل ظن التفوه بكلمات بذيئة، حيث يعاني المريض هنا من فكرة مغلوطة، يتخيل له معها أنه يتفوه أمام الناس بألفاظ خارجه، ويبدأ بالشك في كلامه، خوفًا من التفوه بالكلمات البذيئة.
وأيضًا توجد عدد من الأفكار الجنسية الغريبة التي تراود مرضي الوسواس القهري (الفكري)، وهي لها فروع كثيرة، وغالبًا ما يمتنع المريض عن ذكرها للطبيب المُعالج، أو حتى للمُقربين منه، ولكنها قد تضغط بشدةٍ عليه، لدرجة يصل معها إلى الانفجار، ويضطر إلى البوح بها، وفي تلك الحالة يكون بحاجة شديدة إلى العلاج لأنه دخل في مرحلة فكرية مرضية مرهقة جدًا، بالدرجة التي قد لا يستطيع معها إكمال حياته.
ويظن هنا المريض في نفسه ظن السوء، مثل مقاربته للنساء المحرمات عليه، أو أنه يتعمد النظر بشهوة إلى عورات الرجال، بالإضافة إلى أمور أخري قبيحة جدًا.
علاج الوسواسين واحد
يكون تعامل الأطباء مع نوعي الوسواس (الفكري)، و(الفعلي)، تعاملًا واحدًا، حيث تشير الدراسات العلمية، إلى ان سببه الرئيسي هو وجود هبوط في مستوي المواد الناقلة بالجهاز العصبي.
ثلاث مجموعات علاجية
العلاج من الوسواس القهري يكون على ثلاثة مجموعات، بحيث تتألف المجموعة الأولي من (العلاج الدوائي)، بينما تتألف المجموعة الثانية من (العلاج السلوكي)، بينما المجموعة الثالثة تكون (العلاج الديني ــ الإيماني).
وبالنسبة لـ(العلاج الدوائي)، فهناك مجموعة من الأدوية، والتي يتم إعطائها لكل حالة بشكل خاص، حيث يختلف علاج كل حالة عن الأخرى. وأحيانًا فإن الأدوية التي تؤدي إلي نتائج إيجابية مع شخص ما، فإنها لا تؤدي إلي النتائج ذاتها مع أشخاص آخرين، ومن ضمن هذه الأدوية مضادات الاكتئاب، مهدئات التوتر، وعندما تكون الحالات صعبة ومتقدمة، فمن الممكن أن يضيف الأطباء إلي الأدوية السابقة مُضادات الذُهان.
ويكون لهذه الأدوية آثارًا جانبية قد تكون شديدة مع تناول بعضها كما أنها توصف لفترات طويلة قد يصل بعضها إلى مدى الحياة.
وأما العلاج السلوكي فيعتمد على إقناع المريض بأن ما يعاني منه هو أنه ليس له دخل فيما يجري له.
وأخيرًا العلاج الديني أو الإيماني وهو مهم جدًا ويُطلب خلاله من المريض أن يضع لنفسه أهدافًا كبيرةً في الحياة وأن تكون هذه الأهداف مُرضيةُ لله عز وجل، مثل حفظ القرآن الكريم، حيث تصبح الفكرة الوسواسية مع تكراره للحفظ ضئيلة جدًا. وعندما يبدأ في تحصيله يشعر بأنه فعلًا بدأ في التغلب علي الوسواس وأصبح قادرًا علي التحكم في دورة أفكاره.