تعتبر اضطرابات انفصام الشخصية من الاضطرابات النفسية النادرة التي تصيب الإنسان، وتسمي هذه الاضطرابات بالشيزوفرينيا حيث تشير الكلمة الأولي (شيزو)، إلي الانقسام، والكلمة الثانية (فرنيا)، وهو العقل.
عناصر المقال
اضطراب دماغي ذُهاني
مرض انفصام الشخصية هو اضطراب دماغي ذُهاني، بمعنى أنه ينتمي إلي مجموعة الذُهان. وهو يُصيب الدماغ البشرية، ويُعطله عن أداء وظائفه بطريقة سليمة بالشكل الذي يجعل المريض يبتعد عن الواقع الحقيقي المُعاش والخلط بين الأوهام والذكريات والخيالات والواقع والمعلومات المختزنة، حيث من المفترض أن كل وحدة من هذه الوحدات لها حجرة مستقلة داخل المخ تمنع اختلاطها مع الأخريات، فإذا بها تختلط مع بعضها بسبب المرض، ويصاحب ذلك اضطرابات وجدانية وسلوكية.
يظهر فجأة
من العلامات الأولية للإصابة باضطرابات انفصام الشخصية أنها تظهر بصورة مفاجئة علي المريض، فمثلًا قد تمس شخصاً سويًا طبيعيًا، ويصبح مريضًا مُصابًا بهذه الاضطرابات. وقد يسبق ذلك ظهور اضطرابات مبهمة وغير مفهومة علي المريض، وخاصة إذا كان معروفًا في محيطه بأنه مُتزن، وصاحب فهم ووعي جيدين، حيث يدهش المقربين منه من بعض التصرفات والسلوكيات التي قد يقوم بها، إلا أن المريض سرعان ما يسقط في هجمة ذهانيه حادة، تكون هي أولي أشرات استقرار الفُصام في المخ.
المريض شعلة من الغرائب
في الغالب يقوم مريض انفصام الشخصية بكل التصرفات غير السوية، أو المقبولة، والمتعارف عليها في الفهم الإنساني، حيث يصبح شعلة من الغرائب، وكتلة من الأفعال المستهجنة. كما تختلط لديه الحالات الوجدانية والعاطفية، مثل ميله للكره الشديد لأفراد أسرته. ويمكن القول بأن هناك شريط هائل متداخل من الأحداث التي تتدافع لتفرض نفسها علي وعيه وإدراكه، يعمل في عقله، ليستحضر معها أمورًا من الذكريات القديمة، وكأنها موجودة في عالم اليوم.
ومثلًا ومع تدهور حالته قد يجري مريض انفصام الشخصية حوارًا مع شخص توفي منذ 20 سنة، وكأنه لا يزال موجودًا، والأكثر من ذلك أن حواسه تختلط مع مفاهيمه، بمعني أنه قد يمثل الحوار جسديًا، وينفعل معه، وكأنه حقيقيًا، حيث تكون الرؤية والسمع، متحققتين عنده.
هلاوس سمعية وبصرية
تختلف الأشياء التي قد يسمعها المُصاب بانفصام الشخصية، فقد تكون صوتًا مخيفًا بالنسبة له، أو سباب وشتائم موجهة له، وقد تكون أشياء أخرى مثل الموسيقي، وكذلك الأمر بالنسبة للأشياء التي يراها، حيث قد يري أشخاص، أو نماذج لمجسمات غريبة، فيما قد تتقلب بعض الصور، وتختلط أمامه، لتضم مشاهد عديدة.
وتتميز عواطف مريض انفصام الشخصية بالحدية، والتقلب المستمر، حيث يكون عنيفًا، يشك في نوايا الآخرين تجاهه حتى أقربهم إليه، مثل الأم، الأب، الأبناء.
نسبة الإصابة متساوية بين الجنسين
تصيب اضطرابات انفصام الشخصية الذكور والإناث بنفس النسبة تقريبًا، وتكون نسبة الإصابة أكبر في الفئة العمرية التي تتراوح من 15 إلي 35 سنة.
سن الإصابة
حتى الآن لم تتمكن الدراسات العلمية من تحديد الأسباب الرئيسية لبدء أعراض المرض في فترات مبكرة من عمر الإنسان، ونادرًا ما تسجل إصابات بالمرض بعد سن الـ35 ــ 40 سنة. فيما تشير بعض الاجتهادات إلي أن دماغ الإنسان في هذه الفترة من عمره يكون في حالة بناء وصناعة المُسلمات، والتي تعني قيام الفرد بدمج كم المعلومات الذي سبق تحصيله مع معلومات يتم تحصيلها خلال هذه الفترة، ليصنع منها معلومات جديدة، وبالتالي يجري تراكم للمعلومات، والذي يعتبر أمرًا مهمًا في التطور الذاتي، حيث يكون هذا التوقيت مناسبًا أكثر لظهور أعراض المرض.
الاستعداد المرضي
غالبًا ما يصيب المرض هؤلاء الأشخاص الذين يكون لديهم الاستعداد الدفين للإصابة به، حيث قد تؤدي بعض الظروف، إلي جعله يطفو علي السطح، خصوصًا في الفترات التي يتم فيها بناء وتكوين المسالك العصبية الداخلية لهم وتطويرها. وكان العلماء يظنون قديمًا أن بناء الدماغ يكتمل عند الولادة، وهذا الأمر أتضح عدم صحته، حيث وجدت الدراسات أن دماغ الإنسان تستمر في تكوين الخلايا حتى سن الـ8، ثم تستمر شعب الخلايا الدماغية في التكوين، حتى سن الـ20، فيما تبدأ هذه الخلايا بالنمو عند سن الـ15، مما يجعل الفرد أكثر عرضه للإصابة بالاضطرابات إذا تعرض للضغوط الخارجية، حيث تتداخل هذه الشعب العصبية في بعضها، مما ينتج عنه عدم وصول الخلايا إلي مواضعها السليمة لأداء مهامها الدقيقة جدًا، سواء كانت فكرية، أو حركية، أو حسية، فقد تختلط الأمور مع بعضها، فتظهر إلي العلن، إذا ما وجدت الأرضية المناسبة.
وهذه الأرضية يمكن أن يطلق عليها مسببات المرض، وتشير الدراسات أن أغلب مسببات المرض جينية، فالمُصاب، أو الذي سيصاب لديه استعداد جيني للإصابة بالمرض. ولا يعني ذلك أن كل من لديه الاستعداد الجيني، سوف يُصاب بالمرض، بينما يكون صاحب الاستعداد للإصابة إذا تعرض خلال فترة طفولته أو مراهقته، إلي ضغوط نفسية، فهذا من شأنه أن يظهر أعراض انفصام الشخصية، إلي العلن.
فمثلًا الشخص الذي عانى من طفولة مُعذبة حيث حدث طلاق بين والديه، أو تعرض للاضطهاد علي يد أقرانه في المدرسة، أو كان يعاني من صعوبات بالتعلم، أدت إلى عزله عن أشقائه بالمنزل، مما نتج عن ذلك شعوره بالدونية، والتمييز ما بين الأخوة، كل هذه الأمور قد تجعل هذا الشخص مُضطرب داخليًا، بالإضافة إلى اضطرابه في بناء جملته العصبية مما يؤدي إلى حدوث الخلط السابق ذكره داخل الشُعيرات العصبية بالمخ.
المريض في عالم آخر
أغلب حالات اضطرابات انفصام الشخصية يكونون يعيشون في عالم آخر غير العالم الواقعي، حتى أنه في أحيان كثيرة، يتم إسقاط المسئوليات القانونية عنه نظرًا لعدم إدراكه لتصرفاته، وأفعاله.
ويحكي أحد الأطباء النفسيين عن حالة مصابة بمرض انفصام الشخصية كان يشرف على علاجها، مشيرًا إلى أن المريض كان يعجز عن النوم وذلك لأنه ينسي طريقة الاسترخاء التي تسبق الاستسلام للنوم.
يبحث عن اللا موجود
يبحث مريض اضطرابات انفصام الشخصية دائمًا بداخله عن نفسه فلا يجدها، وعن الحقيقة فلا يجدها، وعن السلوك الصائب فلا يجده. ويحاول أن يستعيد هذا الخلط المنظم بين المشاعر والأفعال فلا يستطيع من تلقاء نفسه، وكل هذه الأمور تجعله أكثر شراسة وعنفًا، ويزيد من حالته القلق والأرق، والألم النفسي، الذي يعيشه.
طرق شائعة للتعامل مع المريض
توجد أشكال مختلفة يتم التعامل بها مع مريض اضطرابات انفصام الشخصية منها: عدم فهم المقربين لحالته، حيث يعتقدون أنها نوبات هلوسة، وأنه سيعود بعدها لحالته الطبيعية، أو قد يقومون بالتعامل معه بعنف مثل ضربه، أو حجزه بغرفة محكمة الإغلاق، أو يقومون بتصرف إيجابي، ويعرضونه علي الطبيب المختص، وهذا هو أفضل الحلول.
ولا يحتاج الطبيب المتخصص إلى وقت كبير لتشخيص الحالة، حيث يستطيع بعد طرح عدة أسئلة على المقربين من المريض، وفحص حالته أن يتأكد من أنه يعاني من اضطرابات انفصام الشخصية.
العلاج يدفع الحالة للاستقرار
عادةً ما يبدأ علاج المريض باضطرابات انفصام الشخصية، بوصف بعض الأدوية المهدئة له، واستبيان ما إذا كان في حاجة للإقامة بالمصحة النفسية، حيث تحتاج أغلب الحالات إلى الانعزال حتى تتخذ حالته شكلًا من الاستقرار، ويتم وصف المثبطات الدوائية له، والتي تمنعه من القيام بتصرفات تمثل خطورة على حياته.
بينما توجد بعض الحالات، والتي يطلق عليها (الحالات الوسطى)، وهي سريعًا ما تستجيب للعلاج، يمكن للمُصاب بها أن يعود من إنسان مُخربًا كليًا، ومدمرًا ذاتيًا، ونفسيًا إلى إنسان سوي بالدرجة الممتازة من حيث الاتزان العقلي والسلوكي والعاطفي، وذلك شريطة أن يستمر في تناول الأدوية بطريقة صحيحة، ومنتظمة.