تقول عدد من الدراسات العلمية التي تناولت موضوع علاقة الحلم بحياة اليقظة، أن أول حكم للشخص الحالم عقب استيقاظه هو قيام الحلم بنقله إلى عالم آخر، حتى وإن كان ذلك الشخص مقتنعًا بأن الحلم ليس صادرًا من عالم آخر، وهو بحسب تلك الدراسات حكم ساذج، لا أساس له من الصحة.
وخلال فترة الحلم فقد توجد العزلة والانفصال جنبًا إلى جنب مع أوثق الروابط، ويمكن القول بأنه مهما كان يقدمه الحلم، فإنه يستمد مادته من الواقع، ومن الحياة النفسية التي تتمركز على هذا الواقع.
ومهما بدأ الحلم غريبًا فإنه لا يمكن أن يفصل نفسه عن العالم الواقعي، وهو دائمًا في أسمى تراكيبه كما هو في أسخفها، يستمد مادته الأساسية إما مما يعرض أمام الإنسان في العالم الخارجي أو مما تعج به أفكاره خلال اليقظة، أي أن الحلم بمعنى آخر ينهض على ما سبق ومر على الإنسان من خبرات ذاتية وموضوعية.
وتعتبر الأحلام حلقة من المكونات النفسية للشخص الحالم، بجانب أنها تأخذ طبيعة غامضة ناتجة عن ما يدور داخل النفس من صراعات خلال مرحلة اللاوعي، وبالإضافة إلى ذلك فهي واحدة من مصادر دراسة الشخصية، ويمكن إذا جرى تحليلها على نحو علمي دقيق أن تكشف بعض حالات الاضطرابات التي قد يعانى منها البعض، وتؤرق أعماقهم، وتضفى تأثيرات سلبية على حياتهم الواقعية.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن الأحلام بناء سيكولوجي كامل، وبالتالي يمكن التأكيد بأنها تشغل مكانًا متميزًا ضمن الأنشطة النفسية للإنسان خلال مرحلة الوعى والإدراك الطبيعي، وكذلك توجد طبيعة للقوى والعمليات التي يقوم عليها الصراع النفسي المولد للأحلام، بجانب العوامل الأخرى المسئولة عن غرابة وغموض محتوى مادة الحلم، وأيضًا تعد الأحلام أبرز النشاطات النفسية للشخص النائم.
وبحسب عالم الفسيولوجي بارداخ، والذي تمكن من صياغة وصف دقيق للظواهر الحلمية، فقد أشار إلى أن حياة اليقظة بما فيها من محن ومسرات ومتع وآلام، لا تتكرر في الحلم، بل أكد أن عكس ذلك هو الصحيح، فالحلم يهدف لأن يخلص الإنسان من كل ذلك.
ولفت بارداخ إلى أن الإنسان وهو مشغول تمامًا بموضوع واحد، أو عندما يستغرق كل طاقاته العقلية في مشكلة من نوع واحد، فإن الحلم يأتيه بشكل مختلف تمامًا، أو أنه يختار لتراكيبه بعض أو المجرد من بعض عناصر الواقع وليس كل الواقع، مشيرًا إلى أن الحلم ينفذ فقط إلى مزاج الحالم النفسى ويلون له الواقع ويصوره رمزًا.
ومن جهته تحدث العالم الألماني فخته، عن ذلك المعنى نفسه، حيث تناول موضوع الأحلام المكملة، ووصفها بأنها بعض من مآثر النفس الخفية التي تتداوى بها.
وأيضًا أعرب العالم شترومبل عن معنى مماثل لذلك، في بحث له بعنوان: (طبيعة الأحلام ومنشأها)، حيث أكد أن الشخص الذى يحلم فإنه يخلف وراءه عالم الشعور اليقظ، مضيفًا أن الإنسان خلال الحلم يفقد ذكرياته تمامًا عن المحتوى المنظم للشعور في اليقظة، وعن سلوكياته السوية، موضحًا أن النفس في عزلتها شبه الكاملة وغير المحدودة في الحلم، تنفصل خلاله عن المحتوى العادي المنظم لها أثناء اليقظة ومساراتها.
وعلى سبيل تناول كل الآراء فقد وجدت أتجاهات مخالفة لما سبق بشكل قاطع، فيما يتعلق بعلاقة الحلم بحياة اليقظة، حيث أشار المفكر هاف نز، إلى أن الحلم في بدايته يكون يواصل حياة اليقظة، منبهًا إلى أن الأحلام تربط نفسها على الدوام ببعض الأفكار التي كانت حاضرة خلال وقت قريب في الشعور، كما لو كانت قد سقطت في فجوة غير مرئية.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية