لا تزال مسألة قناعة مدمن المخدرات بأن هناك مشكلة يعاني منها تحتم عليه ضرورة التوقف أمامها لفحصها واتخاذ القرارات المناسبة حيالها لحلها، هي مفتاح العلاج الإيجابي من الإدمان.
والأزمة الكبيرة في الإدمان أنه يحتوي على جانب كبير من الإنكار، وهذا الإنكار قد لا يكون من جانب الشخص المدمن فقط، ولكن من جانب الأهل أيضًا في بعض الأحيان الذين يرفضون من داخلهم فرضية وصمة أبنهم بالإدمان، وعلى الرغم من غرابة تلك التصرفات إلا أنها موجودة في الواقع.
والمخدرات بشكل عام لها تأثيرها النفسي والبدني على من يتعاطاها، كما أن آثارها التدميرية لا تصيب الشخص المدمن فقط، بل تتعداه إلى أسرته وأحيانًا إلى أصدقاءه.
فمشكلة الإدمان أكبر من تعاطي بعض أنواع المخدرات والاعتياد عليها، حيث ترتبط ببعض أخطاء التربية والمشكلات النفسية والاجتماعية وطبيعة الشخصية والمستوى الثقافي وضغوط الحياة، وبالتالي يحتاج الشخص المدمن إلى العلاج ليس فقط من المادة المدمن عليها، ولكن من كل أو بعض المشكلات السابقة.
ويؤكد المختصين في علاج إدمان وتعاطي المخدرات أنهم يتعاملون مع الكثير من المدمنين الذين يأتون إليهم لطلب العلاج من تلقاء أنفسهم ودون ضغط من أحد، مشيرين إلى أنهم بذلك يعتبروا قد قطعوا نصف الطريق نحو العلاج، لافتين إلى أن بداية حل أية مشكلة هو الاعتراف بوجودها، وبالتالي يعني اعتراف المدمن بأنه يعاني من مرض الإدمان إقرارًا منه بأنه يحتاج إلى المساعدة الطبية والدعم من المختصين والأهل للتغلب على مرضه.
وتتراوح نسبة المدمنون الذين يطلبون العلاج من تلقاء أنفسهم بين 5 و 10% ممن يخضعون للعلاج من الإدمان بشكل عام، فيما يضطر الـ 90% الآخرين إلى تلقى العلاج بسبب تعرضهم للضغوط المختلفة سواء من الأهل أو لبعض الأسباب الاجتماعية، وفي أغلب الأحيان لا يشفى من هؤلاء بشكل كامل سوى 40%، بينما ينتكس الباقون ويعودون إلى التعاطي مرة أخرى.
وقد يظن المدمن أن حالته تعرضت للتدهور بسبب تعاطيه نوعًا معينًا من المخدرات، معتقدًا أنه لو أقلع عن إدمان هذا النوع بعينه ولجأ إلى تعاطي أنواع أخرى فإن حالته سوف تعود للتحسن، وهذا بالتأكيد اعتقاد خاطئ.
فمثلًا الإدمان على مادة الهيروين يحتاج فقط إلى 5 أيام من العلاج لتنظيف الجسم من آثار المخدر، وهذا ما تؤكده الفحوص والتحاليل المعملية، وذلك على الرغم من أن الهيروين يعتبر من المواد المخدرة شديدة الإدمان، ولكن المشكلات النفسية المرتبطة بالإدمان عليه قد تحتاج إلى شهور لإزالة ارتداداتها النفسية والسلوكية الخطيرة.
ومن ضمن الثقافات السائدة والشائعة عن العلاج بشكل عام في البلاد العربية هو ضرورة أن يرتبط الحصول عليه بتناول الأدوية الطبية، ولكن في علاج الإدمان فالأمور تعتبر مختلفة إلى حد ما، حيث تعتبر مرحلة العلاج الدوائي من أقصر مراحل العلاج، فهي لا تتعدى 5 أو 10 أيام، وفي بعض الحالات مثل إدمان الخمور الشديد قد تصل إلى نحو شهرًا أو 40 يومًا.
بينما تعد فترة العلاج النفسي أو ما يطلق عليه في طب الإدمان مرحلة إعادة تأهيل المدمن نفسيًا واجتماعيًا هي الأطول، حيث يواجه المدمن عدد من المشكلات النفسية والضغوط الاجتماعية أبرزها فقده للرغبة في الحياة والطموح وتحقيق النجاح ووضع أهداف والوصول إليها، كما يفتقد المدمن القدرة على حل المشكلات في مقابل زيادة اعتماده على الآخرين لحلها.
وبالتالي يكون دور الطبيب أو الأخصائي النفسي هو مساعدة المدمن على تخطي أوجه القصور تلك والتغلب عليها، بجانب إرشاده ليعيد بناء شخصيته على أسس ومبادئ وأهداف جديدة وحميدة.