يمر العلاج الحديث للإدمان وتعاطي المخدرات بثلاث مراحل رئيسية، حيث تتمثل المرحلة الأولى في سحب المادة المخدرة من الجسم، وتشمل المرحلة الثانية العلاج النفسي وتأهيل المدمن للتعايش مع الحياة بدون المخدر، ثم المرحلة الثالثة وهي تأهيله اجتماعيًا ليعود للحياة ليؤدي دوره ووظائفه بشكل سوي.
وخلال سطور هذا المقال سنتطرق للحديث عن المرحلة الثانية، وهي تأهيل المدمن نفسيًا داخل المجتمعات العلاجية المفتوحة، وهي إحدى أنماط العلاج النفسي وتأهيل المدمنين الحديثة، ليعود ويمارس حياته ويتقبل المشكلات والضغوطات دون أن يتعاطى المخدرات.
ويبدأ برنامج التأهيل النفسي للمدمن بفحص حالته، حيث يقوم الطبيب النفسي المعالج بفحص الحالة وتشخيصها ثم تقييمها، وتشمل تلك الإجراءات معرفة المشكلات والأسباب التي دفعته في السابق للإدمان، بالإضافة إلى تحديد درجة إدمانه، ومواطن الضعف والقوة الموجودة في شخصيته، ومستواه التعليمي والثقافي، وبعد ذلك يتم وصف العلاج له بناءً على ما ترشد عنه الفحوصات والتقييم.
وتتميز الفترة التي تتلو عملية سحب المخدر من الجسم بازدواجية الوجدان والميول، حيث يعانى خلالها المدمن من التوتر والتردد، بجانب ملازمة حالة من اهتزاز ثقته بنفسه له، تجعله غير متيقن أو واثق من قدرته على الإقلاع عن الإدمان.
وفي نطاق البرنامج العلاجي الشامل، يتم رسم خطة يحدد فيها الدعم والمساندة اللازمة تشمل الدعم النفسي والتوجيه والإرشاد السلوكي للمدمن.
ومن ضمن وسائل التأهيل النفسي الحديث ما يطلق عليه (المجتمعات العلاجية المفتوحة) أو (معسكرات التعافي) أو (كامب التعافي)، وهو نظام ومكان للعلاج النفسي وتأهيل المدمنين بالخارج، أثبت نجاحًا كبيرًا، وجرى أستقدامه خلال السنوات الأخيرة إلى دول المنطقة العربية، ويختلف في شكله وطريقة إدارته عن الشكل التقليدي لمصحات علاج الإدمان.
وجوهر فكرة (كامب التعافي)، هو أن يأتي إليه المدمن برغبته، غير مدفوعًا بضغوط أهله، أو رغمًا عن إرادته، حيث من المهم أن يشعر المدمن بأنه يتعافى في مكان أشبه بالذي يسكن فيه مع أسرته، يملأه الحميمية والعطف، وهو يختلف عن منزل العائلة بأن له نظام وقواعد ومواعيد لابد من اتباعها.
ويتميز كامب التعافي بأنه يسمح للمدمنين الذين يسعون للتعافي إلى التعرف على خبرات الذين سبقوهم في النجاة من وحش الإدمان، وتمكنوا من الإقلاع عنه، حيث من المعروف أن أكثر ما يجذب المدمنين هو الاستماع إلى قصص تعافي المدمنين.
ومن خلال معايشة قصص التعافي من الادمان والتعرف على حالات وتجارب نجح أصحابها وولدوا من جديد، تنكسر لدى المدمن حدة تمسكه بإنكار وجود مشكلة يعاني منها، وكانت السبب الرئيسي في معاناته وفقده لوظيفته أو دراسته أو غير ذلك من الخسائر التي يسببها الإدمان.
واعتراف المدمن يحد من تعلقه بأية تحفظات تمنعه من تقبل العلاج، وبالتالي يصبح ميالًا لتجربة الوسائل التي من الممكن أن تساعده على الإقلاع عن المخدرات، ويتفهم الأشكال والأنماط المرضية التي سببتها المخدرات له، وبالتالي يدرك تدريجيًا أبعاد مشكلته.
ومن ضمن الأمور الإيجابية التي يوجدها كامب التعافي هي عزل المدمنين عن رفاق السوء الذين طالما كانت عمليات التعاطي لا تخلو من وجودهم، بجانب إبعادهم عن أماكن شراء المواد المخدرة، وأيضًا يساعد وجودهم في مناخ صحي بعيدًا عن الزحام والتوتر الذي تسببه الحياة الحديثة في تحسين حالتهم النفسية بشكل أسرع.
وعملية التغيير في سلوكيات المدمن بالمجتمعات العلاجية المفتوحة تبدأ من الخطوة الأولى للبرنامج العلاجي، حيث يتم العمل على تدريب المدمن على ان يعيش حياته وفقًا لنظام معين ومحدد ومرن، يقضى به على حالة الفوضى والتنظيم الذي سببه الإدمان.
ويمكن للمدمن فور تحسن حالته أن يعود جزئيًا لممارسة حياته بشكل طبيعي، فمثلًا لو كان موظفًا فمن الممكن أن يذهب لعمله ويعود بعد انتهائه لقضاء باقي اليوم والمبيت بالكامب، ولو كان طالبًا فمن الممكن أن يذهب إلى جامعته ويعود وهكذا، بجانب أنه يسمح للمدمنين، بعد وقت معين، بزيارة ذويهم أو العكس.