يتشكل إدراك الإنسان من أحلام طفولته السعيدة، وكوابيسها المرعبة، ومن الممكن أن تتحول هذه الكوابيس إلى واقع، بحيث تسيطر مخاوف الإنسان على حياته.
ومن ضمن تلك المخاوف (مرض الرهاب)، والمعروف سريريًا، بأنه خوف ناتج عن خطر شديد، يتسبب في مواقف تغير حياة المريض.
و مرض الرهاب يمكنه أن يصيب الإنسان في أي مكان، في منزله، الطائرة، أو حتى خلال قضائه أجازة على شاطئ البحر، وما يعنيه ذلك من الاضطرابات المصاحبة له، مثل الخوف، التوتر، الشعور بحتمية القدر.
عناصر المقال
الخوف من الطيور
يقول (وليد.ج.ع)، 42 سنة، محام، انه يعاني من رهاب واقعي جدًا، يلازمه منذ طفولته، ويؤثر عليه بأشكال مختلفة خلال حياته اليومية، فغالبًا ما يخرج للاماكن المفتوحة، حيث توجد الطيور بأشكالها المختلفة، وهي الشيء التي يخاف منها.
ويضيف، (شاهدت خلال طفولتي، وتحديدًا وأنا في سن الـ5، احد الأفلام الأجنبية، يحكى عن طيور جارحة، تهاجم البشر، وفى نفس ليلة مشاهدتي للفيلم، وأثناء نومي، عانيت من كابوس مخيف، حيث رأيت الطيور تصطف على نافذة حجرتي، وكانت تستعد للدخول ومهاجمتي، فاستيقظت وأنا اصرخ، ومنذ ذلك اليوم، أعانى من الخوف الشديد من كل أنواع الطيور).
ويتابع، (عرفت مع تقدمي في السن، أن الأمر غير منطقي، ولكن الخوف وللأسف ينتابني، كلما اقتربت من الطيور، كما عرفت انه كلما زادت مواجهتك، كلما تعودت على مواجهة رهابك، ولكنى أخشى من أن أحدها سيصبح عدوانيًا، ويهاجمني، من دون أسباب، وما يحدث لي هو رد فعل غريزي، حيث اشعر بصعوبة في التنفس، وتسارع دقات القلب، واحتاج بعدها إلى فترة لكي اهدأ، ويعود قلبي للعمل بمعدلاته الطبيعية).
وعن حالة (وليد.ج.ع)، يقول طبيبه المعالج، إن الإنسان عندما يتنفس بطريقة قصيرة، فإنه يرسل رسالة إلى جسمه بوجود خطر وشيك، ويبدأ العقل بالتفكير في مواجهته، ومع وجود حالة رهاب راسخة فيه، حيال كائن ما، فإنه يفكر تلقائيًا بالهرب، ونحاول مع تلك الحالات أن نجعلهم يختبرون أفكارهم غير المنطقية، والتي يمكن أن يطلق عليها (أفكار بغيضة)، حيث من شأن ذلك أن يبقيهم في حالة استرخاء خلال مواقف الخوف، وفى النهاية سيتعلمون بأنفسهم، كيف يكونون بخير.
ويؤكد (وليد.ج.ع)، أن الطيور بالنسبة للكثير من الناس قد تكون جميلة، أما بالنسبة له فهي على العكس من ذلك، فهي لها مخالب حادة، ومناقير مدببة، وريش مقزز، يغطى أجسادها، ولذلك كنت على إصرار دائم بأن رهابي منطقي، وأنها كائنات غير أليفة، وعندما أكون في مكان به طيور، فأنا أركز نظري عليها، وأتابعها، لكي أتمكن من الهروب في الوقت المناسب، وقبل أن تقترب مني.
العلاج بالمواجهة
وبالنسبة للعلاج والتأهيل، فقد اتفق الطبيب المعالج، مع (وليد)، على تنظيم جلسة مواجهة، بينه وبين بعض الدجاجات، حيث يريد الطبيب زيادة أعراض الرهاب والمخاوف لديه.
وخلال المواجهة تبدأ مستويات القلق لدى (وليد.ج.ع)، في الارتفاع، وتزداد كلما أقترب أكثر من الدجاج، وبمحاولة القيام بالأفعال التي يخالفها عقله، أخذ يشرع في لمس الدجاج، وتفحص أجسادها، والإمساك بمخالبها ومناقيرها، حيث يؤكد له هنا الطبيب المعالج، أنه يعمل على مخالفة غريزته الأساسية، والتي ترغب في الابتعاد عن هذا المكان، ومغادرته، بأقصى سرعة ممكنة، حيث من شأن ذلك أن يرفع من درجات الخوف لديه، بالشكل الذي يشعر معه بعدم الراحة، إلا أنه ومع تكرار ذلك، فإنه سيصل إلى الشفاء.
وبعد تكرار المواجهة لعدة مرات، تمكن (وليد.ج.ع)، من القضاء على مخاوفه بشكل نهائي، حيث أصبح معتادًا على تغيير رد فعله تجاه مخاوفه، وكذلك أصبح متحررًا من حالة الرهاب التي كانت تؤرق عليه حياته.
مهندسة تخاف من الطائرات
تحكي (هدير.ر.م)، 38 سنة، مهندسة كهرباء، عن حالة الرهاب التي تشعر بها حيال ركوب الطائرات، فتقول، (نشأت حالة الخوف التي أعاني منها مع الطيران، منذ نحو سنتين ونصف، وخصوصًا بعدما سمعت قبلها بسقوط إحدى الطائرات في دولة ما، وللعلم فإن تلك الرحلة لم تكن الأولى بالنسبة لي، حيث فقدت السيطرة على أعصابي، بعد أن أقلعت الطائرة، وقمت بالصراخ، والصياح الشديدين، كما شعرت بجفاف حلقي، وأخذ جسدي يرتجف، وشعرت بألم شديد في ساقي، بالإضافة إلى رغبتي في التقيؤ).
ويقول الطبيب المعالج لحالة (هدير.ر.م)، إن (رهاب الطائرات الحقيقي)، يتسبب في حدوث بعض الأعراض الجسدية، مثل التوتر، زيادة ضربات القلب، والعرق الشديد، والذين يعانون من ذلك، ليسوا في حاجة للتعايش مع الخوف من الطيران، فعلاج ذلك متوفر.
التدريبات تُربحها جولة
وعبر سلسلة من التدريبات تحت إشراف طبيبها المعالج، خضعت لها (هدير.ر.م)، من ضمنها الاسترخاء، والتعود على التنفس البطيء، وطرد الأفكار التي تسبب الذعر، بالإضافة إلى السيطرة على نفسها، وهي تحت الضغط، طارت في إحدى رحلات العمل، إلى إحدى البلدان الأوروبية، وهي تشعر بأنها ربحت جولة، في حربها ضد (رهاب الطائرات).
وخلال رحلة العودة إلى القاهرة، ومع تحليق الطائرة التي تسافر على متنها، عالية في السماء، وسيرها بسرعة 600 ميل في الساعة، وتحت تأثير إرهاق العمل، تمكنت من النوم، لمدة ساعة كاملة، دون الشعور بحالات الخوف السابقة، والتي كانت تسبب لها الفزع والقلق.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية