تعتبر (فاتن.س.م)، 36 سنة، موظفة بإحدى الهيئات الحكومية، واحدة من الأمهات العاملات، وكغيرها، ممن في مثل ظروفها، فهي ليس لديها الوقت الكافي للقيام بكل شيء، فما بين العمل وتربية الأبناء، واحتياجات المنزل، تتمحور حياتها، إلا أنها تعيش مع ضغوط إضافية لما سبق، تتمثل في معاناتها من نوبات ذعر شديدة.
وتقول (الأم العاملة)، عن حالتها، (لا أحد يحب الانتظار في الطوابير، فهي مستفزة لمن يعيشون في الحياة العصرية، وهذه هي مشكلتي، ولكنها تتجاوز مرحلة الاستفزاز، فأنا أخاف فعلًا من الانتظار في الطوابير).
وتضيف، (لا أخاف الطابور، أو الأشخاص الواقفين فيه، إنني أخاف من الخوف الذي يحدث لي، كلما قمت بذلك، وأخشى من اللوم الذي يوجهه لي الآخرين، إذا أصابتني نوبة ذعر، خلال وقوفي في الطوابير، وتجربتي مع الخوف تزيد من خوفي).
وتتابع (فاتن.س.م)، حديثها عن حالتها، (بالنسبة للذين لا يعانون من اضطرابات الذعر والقلق، يصعب عليهم فهم ما قد يعانيه الشخص المُصاب، ولا أظن أنه سبق لي الوصول إلى مرحلة التفكير في الانتحار، لكنني وصلت لمرحلة شعرت فيها أنه إن وقع لي حادث أفقدني حياتي، فلا بأس في ذلك، لأن حياتي مجرد جحيم، بسبب ما أعانيه عند اضطراري يوميًا، أن أقف في طابور بالسوبر ماركت مثلًا، وأطن أن أحد الأسباب، هو شعوري بأنني محاصرة دائمًا، في طابور، ولا أستطيع الإفلات من ذلك).
العلاج بالسلوك التأملي
ويعالج طبيب (فاتن.س.م)، حالتها، عن طريق (علاج السلوك التأملي)، والذي يعتمد على عدد من استراتيجيات المواجهة، بالإضافة إلى مراجعة بعض المشكلات المتعلقة بسلوكيات الانتظار في الطوابير.
وتتلخص الأعراض التي تعاني منها، في أنها بمجرد انتظارها في أحد الطوابير، فإن دقات قلبها تتسارع، ويبدأ جسدها في الارتجاف، وتراودها أفكار سريعة تتخيل معها أنها تصاب بنوبة هياج شديدة، بالإضافة إلي تخوفها الشديد من فقدها السيطرة علي جسدها، وأن تصبح أضحوكة أمام الناس، ورد فعلهم السلبي تجاهها، إلا أنها لم تصاب بهذه الحالة في السابق.
وترغب (فاتن.س.م)، من التخلص من تلك الحالة، حتى يتسنى لها ممارسة حياتها بشكل أفضل، بالإضافة إلى الاستفادة من المجهود الذهني الذي تبذله خلال تلك الحالات، واستثماره، في أشياء إيجابية.
ويؤكد الطبيب المُعالج لحالة (فاتن)، أنه من المهم معرفة الفرق بين الشخص الذي لديه الخوف اليومي الطبيعي، وبين من يعاني من ذروة أعراض (الرهاب)، وننظر إلى العامل اللفظي، أو عامل الكلمات، حيث تكون اللغة مسئولة عن نقل الخوف، حيث نربط الكلمات التي نظن أنها مشابهة لرد الفعل الناتج عن الخوف المصاحب لحالات الذعر.
فعبر المواجهات المتكررة، يصبح الشعور المزعج، مرافقًا لكلمات محددة، فالمعني العاطفي للكلمات يشد الفرد عن الوظيفة الرئيسية لها، وهو ما يتم علاجه عن طريق عمل مواجهات لهذه الكلمات، من دون المحفز السلبي لها، وبعد تكرار هذه الواجهات تصبح الكلمات محايدة، ويصبح المريض طبيعيًا، وينتهي لديه أي رد فعل عاطفي، قد تكون، نتيجة ذروة الخوف الذي يصيبه، ويمكنه ممارسة الأشياء التي كان يخاف منها.
رهاب طبيب الأسنان
منذ أن كنا أطفالًا، أمرنا أن نراجع طبيب الأسنان، كل ستة أشهر على الأقل، وبالنسبة للكثيرين، فالذهاب إلى عيادة طبيب الأسنان، مجرد روتين، أما لآخرين، فهذه الزيارات تُمثل كابوسًا ..
ولا يوجد سبب معروف لحالة الرعب هذه، والتي تصيب الكثيرين، فقد يكون سببها الأدوات التي يستخدمها الطبيب، والتي تصدر أصوات مزعجة ومخيفة، بالإضافة إلي شكل الكرسي، الذي يجلس عليه المرضى، أم هو طبيب الأسنان نفسه.
و(رهاب أطباء الأسنان)، يمكن أن تسببه تجربة مرعبة خلال الطفولة، وتحكي عن ذلك (أميرة.د.ن)، 54 سنة، فتقول، (كان عائلتي تتعامل مع أحد أطباء الأسنان، منذ أن كنت في مرحلة الطفولة، ولا أدري هل علىّ تعليل الأمر، بأنه لم يكن صبورًا مع الأطفال، أم بأن السبب هو التكنولوجيا، لكنه كان يتسبب لي في ألم شديد، وكان يقول لي، إذا شعرت بألم فارفعي يديك، وعندما كنت أفعل ذلك، كان ينزلها بقوة).
المريض يتقدم خطوة
من جانبه يؤكد (طبيب الأسنان الجديد)، الذي تتابع معه حاليًا (أميرة.د.ن)، أن (الرهاب) معروف بأنه الخوف، والتجنب، لذا فعندما يأتي إلىّ مرضى يعانون منه، فإنهم بالتالي تقدموا خطوة كبيرة، في مواجهته.
ويشير (طبيب الأسنان)، أنه يعيد خلق بيئة طبيب الأسنان لهم، فعندما يدخلون إلى العيادة يجدونها مليئة، بأدوات العلاج بالعطور، بالإضافة إلى الموسيقي الهادئة، والتي تم اختيارها بعناية، ليشعروا عند سماعها بالاسترخاء.
وتؤكد (أميرة.د.ن)، أنها اضطرت إلى اللجوء لطبيب أسنان، بعدما فشلت كل المسكنات الدوائية، في إسكات ألآم عصب ضرسها، وأصبحت في حاجة شديدة لأن يتم سحب هذا العصب، وعندما دخلت إلى عيادة الطبيب، فوجئت بعدم وجود الأجهزة المخيفة، كما لاحظت أن مكوناتها تغيرت عما كانت عليه في السابق، بالإضافة إلى أنها شعرت داخلها بالاسترخاء.
وتحت تأثير المخدر الموضعي، تم سحب عصب الضرس منها، ولم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودة، حتى أنها لم تشعر بالآلام الناتجة عن وغز إبرة التخدير.
ويعود (طبيب الأسنان)، ليوضح أنه يقوم بتحديث الأدوات والمحتويات الموجودة بعيادته كل 5 سنوات، فالأدوات الطبية تتطور بصورة كبيرة وسريعة، فأطباء الأسنان في الخارج مثلًا، توقفوا عن استخدام (حقنة التخدير)، والموجودة منذ عام 1850 تقريبًا، والتي تعد وسيلة تعذيب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واستبدلوها بآلة جديدة تسمى (العصا السحرية)، وهي نظام حقن بالكمبيوتر، وهي لا تسبب أي ألم على الإطلاق.
ويؤكد (طبيب الأسنان)، أن الكثير من المرضى الذين يأتون إليه، وهم يعانون من (رهاب أطباء الأسنان)، يتصلون به لاحقًا، من أجل تحديد موعد آخر، لفحص أسنانهم الأخرى، والتي غالبًا ما تكون معتلة، بسبب عدم انتظامهم في زيارة الطبيب، بسبب خوفهم منه.