تقدر الدراسات العلمية، انتشار اضطرابات مرض الوهم، وهو من الاضطرابات النفسية الخطيرة، بين سكان العالم، بنحو نسبة 6%، ومريض الوهم شخص سوي ــ طبيعي ــ لا يعاني من أية أعراض مرضية حقيقية، ولكنه مقتنع من داخله بأنه مريض، حيث يعاني من انفصال بين الحقيقة والقناعة، مما يؤدي إلي شعوره بوجود المرض، ثم توهم المرض، وتأصل الشعور به، إلي أن يدخل المريض في عداد المعانين من اضطرابات مرض الوهم.
عناصر المقال
قناعات مرضية
والمريض باضطرابات الوهم، ليس مريضًا وهميًا، ولكنه مُصاب بمشكلة الوهم، حيث لا يتظاهر بالمرض، وإنما يكون مقتنعًا اقتناعًا شديدًا من داخله بأنه مريض.
ويقع مريض الوهم، فريسة للاعتقاد الدائم بإصابته بأمراض مختلفة، وهناك عاملين أساسيين يتضافران مع بعضهما يؤديان إلي ظهور المرض، وهذان العاملان هما (الضعف الداخلي للشخصية)، حيث تمثل شخصيته الضعيفة وقلة ثقته بنفسه الأرضية المهتزة الملائمة لظهور المرض وسيطرته علي حياته، بالإضافة إلي (الأمور الخارجية)، والتي تعد العامل الثاني، ومن ضمنها: استعداد المريض للإصابة بالوسواس القهري، حيث من الممكن أن تتمحور الأفكار الوسواسية، حول الشك في صحته البدنية، وبالتالي ينتقل المريض تدريجيًا إلي الإصابة بمرض الوهم.
والأفكار الوسواسية تنتقل بالمريض من عضو إلي عضو، فيتوهم أنه مُصاب بالمرض، أو سيصاب بالمرض، أو أنه مقبل علي سلسلة من المراحل المرضية.
أعراض أضافية
قد يُصاب المريض بنوبات الهلع، والتي تعود إلي شعور المريض بحالة من القلق العام، والذي يظهر علنًا، في شكل نوبات مفاجئة، تصيب الفرد، فترتد مباشرةً من المخ إلي أعضاء الجسد المختلفة، وتظهر عليه أعراض مرضية، وعلي الرغم من أن حالة الهلع تبدأ من المخ، إلا أن الارتدادات تؤثر علي التنفس، وضربات القلب، وتنمل الأطراف، وذلك يرجع إلي إفراز الجسم لمادة الأدرينالين، من الغدة الكظرية، نظرًا لوجود إشارات قادمة من المخ، تشير إلي تعرض الجسم للخطر.
مسببات أخري للمرض
توجد مسببات أخري للوقوع في مرض الوهم، من ضمنها: وجود أمراض سابقة حقيقية عند الشخص المريض، حيث غالبًا ما تبقي المخاوف والشكوك، في ذهنه، باحتمالية أن يعود إليه المرض مجددًا.
كما قد يكون لبعض العوامل الأخرى، مثل: التأثر بالآخرين، دورًا مهمًا في الإصابة بمرض الوهم، فقد يكون المريض به يتمتع بكامل صحته البدنية، ولكن لاختلاطه بالمصابين بالأمراض، فيميل إلي استنساخ تلك الأعراض منهم، وعند ذلك يبدأ القلق بالعمل في عقله، فتراوده الأفكار المرضية، والتي تطرح عليه تساؤلات حول احتمالية انتقال الأمراض إليه، وهل من الممكن أن يكون قد أصيب بها فعليًا، وعند ذلك يدخل دائرة الوهم المرضي.
سلوكيات المريض
قد يلجأ مريض الوهم إلى بعض التصرفات، والتي تفصح عن سلوكيات مرضية، لكي يطمئن نفسه، بأنه سوي، وصحيح البدن، ولم يصب صحته أي اعتلال، حيث يصبح من داخله أشبه بمجموعة من الكهوف الموصولة بدهاليز متشعبة ومتفرعة بطريقة معقدة، يصنعها في كل يوم، ويوجد المبررات لهذه الكهوف التي يصنعها، لكي يقنع نفسه بأنه مريض.
ومن ضمن تلك التصرفات ملاحظته لدرجة حرارته ومستوي ضغط دمه بشكل يومي، يليها قيامه بسلسلة من الفحوصات، والتي غالبًا لا تنتهي، حيث يؤدي كل فحص أو تحليل يجريه حتمًا، إلى إجراء تحليل آخر، إلى أن تصل أعداد هذه الفحوصات والتحاليل إلى المئات.
ويؤكد الأطباء النفسيين، أن مرضي اضطرابات الوهم، بعد أن ييأسوا من حالاتهم، يقررون اللجوء إليهم، وهم يدخرون صور تحاليل وفحوصات، تصل وزنها إلي بضعة كيلو جرامات، ويطلبون منهم أن يفحصوا هذه الأكوام من الأوراق، ظنًا منهم أن أطباء التخصصات الجسدية، قد فشلوا في التوصل إلي معرفة الأمراض التي يعانون منها.
وتوجد احتمالات بأن تكشف هذه الفحوصات عن وجود مشكلات صحية، قد يعاني منها المريض، بعيدًا عن مشكلته الأساسية، حيث يدفعه ذلك إلي صناعة لوحة مرضية ضخمة، عن حالته، والتي قد تكون بسيطة، ولا تحتاج إلي الهالة التي يصنعها المريض.
وغالبًا ما يقوم الأطباء النفسيين بالتعامل بطريقة مختلفة مع هذه النوعية من المرضي، حيث يميلون إلي عدم طمأنتهم علي حالتهم الصحية، في محاولة منهم لاحتواء أفكارهم وتصرفاتهم المرضية.
نماذج للمُضاعفات
توجد مضاعفات لأعراض مرض اضطرابات الوهم، من ضمنها: دخول المريض في الكثير من المشكلات مع محيطه، والمتمثل في الأسرة، أو العائلة، حيث يكون المريض دائمًا في حالة تسخط، بالإضافة إلي معاناته من نوبات الهلع، والتي تسبب له حالة من الخوف، بالإضافة إلي حالة (التمارض)، التي يعيش فيها، فيضعف إنتاجه، وتضطرب علاقاته، ويصبح عالة علي المجتمع.
وكذلك من ضمن المُضاعفات الشديدة للمرض، أن تتسع عداواته مع الآخرين، فيصبح إنسان انطوائي غير اجتماعي، بالإضافة إلي ملازمة الشعور بالاضطهاد له، إلي جانب شعوره بعدم تقدير الناس لمدي المعاناة التي يعيش فيها، بسبب الأمراض التي يعاني منها، وينتقل من مرحلة الاقتناع بوجود المرض، إلي الإصرار عليه.
ويؤدي عدم تجاوب الآخرين، مع المريض باعتباره مريضًا حقيقيًا، إلي إصابته بالاكتئاب، وتزيد حالة الاكتئاب، الأمور تعقيدًا، حيث تفاقم أعراضه من حالة المريض، ويصبح علاجه أصعب في وجودها، حيث يطلب المريض إجراء المزيد من الفحوصات، وقد يوافقه الطبيب المعالج أملاً في أن يهدئ ذلك من غليانه الداخلي، ولكن في الحقيقة فإن ذلك يؤجج هذا الغليان، وتحتاج المسألة هنا، إلي دراية عميقة من قبل الطبيب بهذا الواقع، وأن لا ينجرف وراء رغبات المريض السلبية.
تساوى نسب الإصابة بين الجنسين
تتساوى نسبة الإصابة باضطرابات مرض الوهم، بين الذكور والإناث، إلا أن بعض الدراسات تؤكد زيادة نسب الإصابة لدي الرجال، حيث ترجعها إلي أنهم أكثر تعرضًا لضغوط الحياة، بالإضافة إلي زيادة نسبتهم عن الإناث في سوق العمل، ومت يعنيه ذلك من ارتفاع حالات الفشل الوظيفي لديهم، عنها في الإناث. وتشير دراسات أخري إلي أن الإناث يتجهن أكثر نحو الإصابة بمرض الهيستريا.
استراتيجيات العلاج
وفيما يتعلق بالإستراتيجيات العلاجية المتبعة للسيطرة على اضطرابات مرض الوهم، والتي تساعد علي تحسن حالة المريض، فيمكن القول بأن المريض، يحتاج إلي نوع من الصرامة أو الحزم في التعامل، حيث يلقي دائمًا بظلال مرضه أمام الآخرين، ويكون شرسًا وعنيفًا علي الدوام، إلا إذا دخل في حالة اكتئاب، مما يستوجب أن تتم مواجهته بشيء من القوة، من أجل صالحه هو.
كما يجب رفض إجراء أية فحوصات طبية غير ضرورية له، ويحتاج مريض اضطرابات الوهم أيضًا إلى علاج دوائي، ولكن العلاج السلوكي يكون الأصعب، حيث يعمل الطبيب علي انتزاع أفكار الوهم المرضية من أعماق عقله، ويتطلب بالتأكيد شهورًا طويلة.
ويجب التنويه إلي أن المريض كثيرًا ما يطلب من طبيبه المُعالج، أن يبدل له الأدوية التي وصفها له، بحجة أنها لم تأتي معه بنتيجة إيجابية، ويرجع ذلك إلي عدم مثابرته عليها، لتحقق نتيجتها الطبية الفعالة.
ومن الممكن كذلك أن تمر حالة المريض خلال العلاج، بمنحنيات إيجابية وسلبية، بحيث تستقر حالته وتتقبل العلاج، ثم تنتكس وتعود أسوأ عما كانت عليه قبل البدء فيه، وفي تلك الحالات قد يحتاج المريض إلى علاج أطول، يستمر لسنوات.
ويكون العامل الحاسم في المدة الزمنية التي يحتاجها مريض اضطرابات الوهم، للشفاء من أعراض المرض، هو شخصية المصاب، فإذا حاول أن يسمو بنفسه، فوق هشاشتها وضعفها وترددها، وتمكن من الاستفادة من خبراته مع الاضطرابات، وسقطاته السابقة، لكيلا يسقط من جديد، فإنه هنا قد ينجح، ويفلح في التخلص من تلك المُشكلات.
بقلم/ د. سيد صابر | أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية